جلس الأب في سيارته حين هبط طفليه حفاة يحملون أحذيتهما في أيديهما، استقل الطفلان السيارة، وحين سأل الأب طفليه لماذا خرجتما من البيت حفاة، أخبر الطفلين أن جدهما استغل وجود الأم بالحمام وأبلغهما أن يخرجا مسرعين دون أن تراهما.
لا لم ينته المشهد بعد، فالأم هبطت بعد قليل جدًا وأخذت تتشاجر مع الأب، وتحاول اخذ الطفلين من السيارة وبدأت في تهديد أطفالها.
نسيت أن أقول إن الأب كان متوجهًا لأبنائه لاصطحابهما لغرض التنزه وقضاء بعض الوقت، حيث إن ظروف عمله تمنعه من رؤيتهما فترات طويلة.
مشهد واقعي وحادثة حدثت بالفعل لأحد أصدقائي، كلا الوالدان من خريجي كليات القمة.
ترى كيف سيكون الأولاد بعد عشر سنين؟
تقول تانيث كاري خبيرة علم نفس الطفل، أن شخصية الطفل تتكون بنسبة 90% من سن سنتين وحتى سبع سنوات، وكل ما يمر به الطفل يؤثر في تكوينه.
في الواقعة المذكورة الوالدان مطلقان، لكن الموقف ذاته يمكن أن يحدث مع المتزوجين لا فارق، فالغالبية ينجبون أطفالًا وهم يتصورون أن دورهم توفير الطعام والشراب والتعليم، بينما الأمر غير ذلك بكثير.
كثير من الآباء يتشاجرون مع زوجاتهم في وجود الأطفال أو على مسمع منهم، يتهمونها بالإهمال والغباء والتقصير، يحفرون فجوة ثقة في نفوس أطفالهم ببساطة شديدة.
يحطمون قيم الاحترام والتقدير والمشاركة بمنتهي الاريحية، لأن أحدهم عانى في المواصلات، أو غضب في عمله، أو يُعاني ضغوطًا ما، وليست كثير من الأمهات منزهات عن نفس الأفعال، فتوجيه اللوم وتبادل الاتهامات أمر شائع في بيوت عديدة.
ثم يأتي أب أو أم ليسأل لماذا ابنه/ابنته عنيف أو منطوي؟
المال والبنون زينة الحياة
تعتبر الأغلبية رجال ونساء أن مشروعها الحياتي هو إنجاب أطفال، وهو العمل الذي يتم بدأب حتى أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء كشف في إحصائية تمت في 28 أغسطس 2021 أن معدل الزيادة طفل لكل 18 ثانية، وفى إحصائية أخرى هناك حالة طلاق كل دقيقتين ونصف، نحن نتحدث اذن عن 130 ثانية تفصل بين الانجاب والطلاق.
يحلم الكثيرون بالأطفال ولا يفكرون في تربيتهم تربية سليمة، ينمو أطفالنا مصابين بكثير بالمشاكل النفسية، نصف الأطفال ولد شقي، وبنت غير رحيمة، وصفات أخرى نقولها أو نسمع البعض يصف بها أبناءه أو أبناء أشخاص مقربين منه، وكل في قناعته أنه فعل ما ينبغي عليه.
لا يقف الكثيرون ليفكروا في أبعد من توفير المأكل والملبس ومدرسة جيدة، لكن التربية ليست في ذلك، هذه بعض أدوات التربية، ينسى الكثيرون أن أول قواعد التربية الصحيحة هو الاحترام المتبادل بين الطرفين، لكن من أين يأتي هذا الاحترام ونحن لا نعرف ثقافة الاختلاف واحترام الآخر المختلف، لا نعرف كيفية إدارة حوار أمام أولادنا.
هل يعرف الأب الذي يصرخ في زوجته أنه يغرس الرعب والخوف من المواجهة في نفوس أطفاله، هل تعرف الأم التي تشكو الأب وتتهمه بالتقصير، وتصف بصفات غير لائقة على مسمع من أولادها أنها تعلمهم الكذب والنفاق، وتُسقط ثوابت الاحترام من أعلى برج ليسقط مهشمًا.
نفكر فقط في الانجاب ولا نفكر في التربية، يخرج أطفال مشوهون، مهزوزي الشخصية، لا يعرفون الاحترام والصدق والشجاعة، لا يمارسون الأخلاق في سلوكياتهم، ثم نراهم في الشوارع متبجحين ومتحرشين وعنيفي السلوك، هؤلاء غرسنا الذي راعيناه.
يُنكر كثير من الأهل سلوك أبناءهم المنحرف، ويرفضون الاعتراف بمشاكلهم، لا يرون سوى مشاكل أطفال الآخرين، أحد صفاتنا الأثيرة أننا نقوم بتوجيه الآخرين بينما لا نلتفت لشئوننا.
الواقعة التي حدثت مع صديقي وأبناءه واقعة متكررة حد الملل، ولا فارق كبير كون الأب والأم منفصلان أو متزوجان، فلا إدارة صحيحة لعلاقة الزواج أو علاقة الطلاق.
كثيرون منا أنانيون يفكرون في أنفسهم وطموحاتهم، يمارسون أمراضهم النفسية، ولا يكترثون بأبنائهم، ذلك أنهم حققوا أمنيتهم وأنجبوا، وفارق شاسع بين الانجاب والتربية، الغالبية ينجبون أطفالًا، لكنهم لا يربون، إذا أردتم أن تعرفوا كيف وصل الشارع لما عليه الآن انظروا إلى أنفسكم وطريقة تعاملكم مع شريككم وتربيتكم لأبنائكم، الغالبية لا يفعلون سوى فقد أبنائهم والدفع لفقد أبناء الآخرين بسلوك أبنائهم الضاغط والملاحق لزملائهم.