بمحض المصادفة البحتة، طالعت ثلاثة أحكام صادرة من محكمة القضاء الإداري بالمنوفية، وهالني ما وجدت في هذه الأحكام الثلاثة بما يمثله من إهدار تام لمبدأ سيادة القانون. بل يتعدى ذلك إلى تعريض المصلحة العامة للخطر، وكذلك الإساءة للهيئة التعليمية، ولوزارة التعليم العالي بشكل فج.
قبل أن أعرج لهذه الأحكام، لابد لي أن أشير إلى معنى سيادة القانون بشكل مبسط وهادف. ولا أرى سوى أنها تعني في هذا المقام خضوع الجميع للقانون حكامًا ومحكومين. وأخص بالذكر هنا الحكام، والذين يمثلهم السيد الدكتور رئيس جامعة السادات. فيما يصدره من قرارات من محض وظيفته. والعجب العجاب ما وجدته في هذه القرارات التي وقفت تنفيذها محكمة القضاء الإداري بالمنوفية بجلسة واحدة، وهي جلسة 27 / 12 / 2020. وذلك في الطعون أرقام 9168 لسنة 21 قضائية، و11472 لسنة 21 قضائية، والطعن رقم 21190 لسنة 21 قضائية.
وقد تضمنت هذه القرارات التي تم إلغاؤها نقل الدكتور إبراهيم أحمد مصطفى من قسم رعاية وإنتاج الحيوان بكلية الطب البيطري إلى كلية التربية للطفولة المبكرة، ونقل الدكتور أحمد محمد عبد الحميد الشاهد من قسم العلوم التربوية إلى قسم العلوم السياسية، وكذلك نقل الدكتورة إيمان أحمد صالح حشاد من قسم العلوم النفسية، تخصص الصحة النفسية والجسمية إلى قسم العلوم الأساسية.
وحتى أبين مدى إهدار القانون برمته واستغلال السلطة بشكل لا يتناسب مع حقيقتها كوظيفة عامة، إنما شرعت من أجل الحفاظ على المصلحة العامة، بمراعاة أحكام القانون، سأعرض للقارئ جزءًا يسيرًا من تسبيبات المحكمة لأحد هذه الأحكام. وليكن الحكم الأول والخاص بنقل أستاذ جامعي بطلية الطب البيطري، إلى كلية التربية للطفولة المبكرة. وقد جاء بذلك الحكم من قول المحكمة أن “القرار المطعون فيه رقم 886 لسنة 2020، صدر بنقل المطعون على نقله، والذي يفتقر إلى أصل المؤهل العلمي في المجال التربوي. فلم يكن محلاً للدراسة له في مرحلة البكالريوس والماجستير والدكتوراه. وكذلك البحوث التي أعدها للترقية لدرجة أستاذ مساعد للرعاية وتنمية الثروة الحيوانية. فلم تكن دراسته إلا على الكائنات الحية غير الإنسان، فهو تخصص علمي له أهميته. لكنه يختلف اختلافًا كليًا لما يقوم عليه التخصص داخل الجامعة، فليس المؤهل العلمي وحده فقط يتحدد به التخصص الدقيق في إطار المؤهل العلمي الواحد”.
ثم أضافت المحكمة ما هو أشد قولاً من أن “تجاهل المؤهل العلمي التربوي والتخصص العلمي في أحد فروع المجال التربوي، وعدم مراعاة أحد الإدراءات الجوهرية التي أقرها القانون، وهي وجوب عرض أمر النقل إلى اللجنة العلمية للدراسات التربوية، إعمالاً بنص القانون رقم 82، فإن ذلك ما يصيبه بحسب الظاهر من الأوراق بالانعدام لمخالفته الجوهرية لأحكام قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 هي مخالفة تجرده من صفته كتصرف قانوني وتنحدر به إلى مجرد الفعل المادي المنعدم الأثر قانونًا، فلا تلحقه أي حصانة و يضحى معه مرجح الإلغاء حين الفصل في الموضوع”.
لم يقف الأمر عند حدود هذه القضية سالفة البيان. ولكون الأمر يؤثر على سير المسألة التعليمية بالسلب، فقد قام أعضاء هيئة التدريس بكلية الطفولة المبكرة بالطعن على هذا القرار في الطعن رقم 9681 لسنة 21 قضائية. وهذه القضية بالذات تم تأسيسها على المصلحة العامة في سير العملية التعليمية، وحسن إدارتها.
وأرى أن هذه الأحكام برغم كون القضاء قد وقف تنفيذها، فهي قد أهدرت طاقة الأساتذة المنقولين في القيام بأعمال تعليمية ليست في مجال تخصصهم، وهو ما يمس جوهر العملية التعليمية ذاتها، ويفقد الدارسين لقدر من العلم كان واجباً تلقيهم إياه، كما أنه يهدر طاقتهم كذلك بحسب انشغالهم بالبحث عن سبل لإلغاء هذه القرارات بما يضمن العودة إلى مجال تخصصهم.
من زاوية ثانية، فإن الأمر لا يشكل فقط مخالفة للقانون بشكل بسيط، لكنه يشكل مخالفة أشد من منصب رفيع كرئيس جامعة السادات، إذ كيف يترأى له أن يقوم بهذه الأفعال التي وصفها القضاء بأنها لا ترقى إلى مرتبة القرار الإداري تقف عند حدود الفعل المادي. وهو وصف خطير يوحي بكون هذه القرارات قد صدرت دون دراسة أو لغرض يبعدها كل البعد عن الصالح العام، والمتمثل بشكل رئيسي في كيفية سير العملية التعليمية على شكلها الصحيح وبطريقتها الأصوب، بما يجعل الدارسين يتلقون تعليمًا حقيقيًا من أساتذة متخصصون في علمهم. وهذا ما يمثل صلب وحقيقة دور رئيس الجامعة، إذ أنه المنوط بتنظيم أمر التعليم داخل كليات جامعة السادات على النحو الصحيح. لكن مثل هذه القرارات تجعل من أمر التعليم داخل هذه الأروقة التعليمية أمرًا مشوهًا، لا يولد متخرجًا صاحب علم أو معرفة، وكيف يكون له ذلك وقد تلقى علمًا من غير مختصين. فهل هذا ما يكون عليه طبيعة أو شكل وظيفة رئيس الجامعة؟
في كل هذا الزخم المحزن على حال التعليم، ما هو موقف وزير التعليم العالي والبحث العلمي مما يحدث حاليًا داخل جامعة السادات. وأين هو بحسبه الرئيس الأعلى لهذه المنظومة، وأين هو من كل هذا الكم من الإهدار المتعمد لمفهوم خضوع الدولة للقانون؟ إن أمر القانون وسيادته لا تكن مرآته الحقيقية والأولى سوى في ما تصدره الدولة بهيئاتها المختلفة من قرارات يجب أن تساير صحيح القانون، وتبرز مدى خضوع المؤسسات الحاكمة لسلطان القانون، حتى يمثل القدوة الحسنة للمواطنين، ويحاكوها في تصرفاتهم، ونعلوا جميعًا بالقانون، ونُعلي من سلطانها فوق رؤوس الجميع حكامًا ومحكومين.
وإن كنت أرى أنه لابد من التعرض بشئ يسير لكيفية اختيار أو تعيين رؤساء الجامعات، والذي يمثل فيه دور رئيس الجمهورية هو الدور الرئيسي الفاعل في الاختيار من بين من يتم ترشيحهم لهذا المنصب، وإن كنت أرى أن هذا المنصب التنفيذي مرتبط بشكل أساسي بمسألة سير العملية التعليمية داخل كل جامعة، فمن الأحرص أن يكون هناك دور فاعل في هذا الاختيار على نطاق أوسع لكل جامعة، سواء كان ذلك على مستوى عمداء الكليات، أو على ما هو أوسع من ذلك بما يشكل دورًا فعالاً للأساتذة العاملين داخل نطاق كل جامعة، بما يضمن تحقيق مشاركة اجتماعية داخل نطاق الجامعة، أو أن يكون الأمر بالانتخاب من بين الأساتذة في داخل كل جامعة، بما يضمن حسن سير العملية التعليمية، ويمثل ضمانة حقيقية لسيادة القانون، وأن تكون المناصب فقط للمصلحة العامة.
للاطلاع على مقالات أخرى للكاتب.. اضغط هنا