ما بين التغيير الذي بات ضرورة ملحة قبل ثورة 25 يناير 2011، والحلم بغد أفضل فيما بعد ثورة يناير، تشكل جيل جديد من شباب السياسيين كانوا محرك الثورة وقلبها النابض، بحلمهم الطموح لمجتمع ” الحرية – العدل – المساواة”، والذي انكسر على أعتاب صراع الأفيال المتمثل في التيار الإسلام السياسي ومكونات الدولة العميقة وتحالفات كل طرف مع قوي إقليمية ودولية، جعلت من حلم الشباب سراب.
لم يكتف كل طرف بالقضاء على الحلم، بل حمل الشباب بدفع كلفة الصراع بين الطرفين. وهي الكلفة التي سرقت أعمار العديد من الشباب، فمنهم من دفع طواعية كلفة الهجرة والبعض يدفع مجبرًا كلفة الحرية خلف قضبان السجن، ومنهم الصديق ورفيق الدرب حسام مؤنس الذي يمر على حبسه ما يقرب من عشرين شهرًا بتهمة “الحلم والأمل”.
على مدار الشهور العشرين منذ القبض على حسام مؤنس كتب الكثيرون من الأصدقاء وأنا منهم العديد من المقالات حول دور حسام مؤنس في المجال العام. سواء قبل ثورة يناير أو بعدها أو تناولاً للبعد الإنساني، مع تجاهل غير مقصود للبعد الفكري الذي في اعتقادي يرجع لفهم بعضنا البعض على الرغم من أن الإطار الفكري الحاكم لحسم مؤنس كان هو المحرك السياسي لسنوات عمره العشرين في المجال العام.
كان مؤنس دائمًا ما يردد مقولة “الحرية والعدل فكرة تظل وتبقى وهي الثابت الوحيد والأقوى عبر الزمان، واستمرار مسيرة الأفكار هي التي قد تجعل أجيال قادمة أكثر قدرة على الفعل والتغيير”. هذه الكلمات كتبها حسام مؤنس في مقدمة ورقة بعنوان (الفكرة هي التي تبقى)، قدمها في 27 مايو 2008، في إطار مشروع تجديد الفكر الناصري. وهو المشروع الذي استمر ما يقرب من عام ونصف العام، وأسفر عن العديد من الأوراق الفكرية التي اشترك في كتابتها العديد من الأصدقاء أغلبهم من جيل الشباب، بهدف إعادة قراءة المشروع الناصري.
خرج هذا المشروع تحت مسمي (الوثيقة) بصياغة للزميل حسام مؤنس، والتي عبرت عن وجهة نظر جيل جديد من الشباب الناصري للواقع والمستقبل، ولعبت دورًا رئيسيًا في رسم مسار مؤنس ورفاقه في المجال العام. وهو ما يدفعني لطرح بعض ملامح ورقة الزميل حسام مؤنس، التي اعتبرها إحدى أهم الأوراق المعبرة عن المكون الفكري لحسام مؤنس والمتمثل في عناوين ثلاثة (الحرية – العدل – العدالة).
الحرية أولاً كانت إحدى الكلمات التي اعتبرها جوهر الإطار الفكري لحسام مؤنس والمتمثلة في ثالوث الحرية (حرية المواطن – حرية المجتمع – حرية الوطن). حيث اعتبر مؤنس أن حرية المواطن هي مقدمة لحرية المجتمع ومن ثم حرية الوطن. والحرية الشخصية في فكر مؤنس تكون بكفالة الحريات المدنية والإنسانية، وفي مقدمتها حرية الاختيار وحرية الفكر وحرية العقيدة واحترام عقائد الآخرين، وحرية تبادل المعلومات، وحرية التنظيم، وحرية التعبير، والقضاء على كل أشكال القهر والاستبداد والتسلط السياسي أو الاقتصادي والاجتماعي، وإنهاء كل وجود للدولة التسلطية.
أما حرية المجتمع فتكون من خلال صيانة الحرية الكاملة للجماعات والثقافات الفرعية الوطنية، وأيضًا تأمين قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات دون تمييز بين كافة المواطنين في المجتمع. بينما حرية الوطن هي الركن الأهم في بناء مجتمع الحرية فيعني “السيادة الوطنية”، وهي التعبير المباشر عن حرية وسيادة الوطن ومصالحه الاستراتيجية من حيث تأمين استقلال الوطن وإكسابه القوة والمنعة والاستعصاء ضد كل محاولات فرض الهيمنة والتبعية والتقسيم الجديد للخرائط السياسية، وتأمين حرية القرار الوطني من أي ضغوط أو شروط أو أملاءات خارجية، وكذلك رفض أي سياسات تنتقص من استقلالية القرار الوطني.
المنطلق الثاني لفكر مؤنس والمتمثل في العدل، يعبر عنه صاحبه بثالوثية العدل (العدل القانوني – العدل الاقتصادي والاجتماعي – العدل السياسي). وقد شرح مؤنس مفهوم العدل القانوني بأنه حكم القانون في دولة مدنية قائمة على قاعدتين: السيادة للقانون وحده وليس لغيره من الاعتبارات، والمساواة بين المواطنين دون تمييز لأي سبب من الأسباب، أي المساواة القائمة على قاعدة المواطنة.
والعدل الاقتصادي والاجتماعي -عند مؤنس- هو مجتمع العدالة التوزيعية، أي عدالة توزيع الثروة الوطنية بين المواطنين، بما يحقق تكافؤ الفرص بين المواطنين، وتأمين الحق في العمل والتعليم والسكن والعلاج ويحول دون حدوث الاستقطاب الطبقي بين أقلية تملك وأغلبية محرومة لا تملك.
والعدل السياسي هو الذي يحقق العدالة في توزيع القوة السياسية بين المواطنين، أي العدالة في النصيب المتكافئ من السلطة، وذلك من خلال تفعيل مبدأ “تداول السلطة”، ومن خلال عمليات ديمقراطية متعددة تؤمِّن الحق الكامل غير المشروط في المشاركة السياسية، والانتخاب الحر، وتمكين المواطنين من الاختيار الحر النزيه لحكامهم، وتمكينهم من مجمل حقوقهم السياسية في التعبير الحر والتنظيم والتظاهر، وغيرها من الحقوق السياسية.
أما العدالة الاجتماعية المكون الثالث لفكر حسام مؤنس، التي عبر عنها ببناء مجتمع الكفاية الإنتاجية عبر مشروع تنموي مستقل ومتواصل وقادر ليس فقط على مواجهة قيود التخلف ولكن بتمكين الأمة أيضًا من امتلاك قدرات التقدم. فتعتمد على توسيع قاعدة الثروة الوطنية عبر مشروع تنموي متكامل مرتكز على العلم والتكنولوجيا لن يوفر فقط الشرط الموضوعي اللازم لتحقيق العدل الاقتصادي والاجتماعي المطلوب، حيث أنه لا عدل بدون كفاية، وإلا سيكون العدل مشوهًا ومقزمًا أي لا عدل إلا أن يقترن بالرخاء والتقدم.
هذه المنطلقات الثلاثة التي عبر عنها حسام مؤنس في الكثير من الأوراق الفكرية والمقالات السياسية على مدار سنوات عدة تشكلت في بداية الألفية وظهرت ملامحها 2008 وتطورت مع ثورة يناير وما بعدها. كما عبر عنها حسام في خطابه وتحركاته السياسية، والتي تعلمها الكثيرين من شباب التيار الشعبي خلال السنوات العشر الأخيرة.