أسدل الاتحاد المصري المؤقت لكرة القدم برئاسة أحمد مجاهد، الستار عن مدرب منتخب مصر الأول بشكل رسمي عقب فترة من اللغط والتقارير والتسريبات العديدة والمختلفة حول هوية المدير الفني الجديد. باستقراره على البرتغالي المخضرم كارلوس كيروش، خلفًا لحسام البدري الذي أقيل عقب التعادل مع الجابون في الجولة الثانية للتصفيات الأفريقية المؤهلة لبطولة كأس العالم المقبلة قطر 2022.
سادت حالة من الارتياح النسبي داخل الرأي العام الكروي المصري، خاصة بأن المدرب أجنبيًا في المقام الأول والخروج من حسابات المدرب الوطني الذي لم ينجح مع الفريق. منذ رحيل المعلم حسن شحاته قبل عقد من الزمان، وثانيًا لأن الاختيار وقع على مدرب له اسم كبير في عالم التدريب وسيرة ذاتية عظيمة مثل كيروش.
بالإضافة لجهاز فني معاون على أعلى مستوى ضم ضياء السيد مدرب عام وله خبرات عميقة مع المنتخبات الوطنية والأب الروحي لأغلب نجوم الجيل الحالي من اللاعبين. عندما كان مدربًا لهم في منتخب الشباب بكأس العالم عام 2011، ومعه نجوم الفراعنة السابقين محمد شوقي مدربًا وعصام الحضري السد العالي مدربًا لحراس المرمى. بالإضافة لمساعدين أجانب مع كيروش مدرب أحمال وآخر محلل أداء.
المنتخب الوطني أمامه مهمة دقيقة في تصفيات المونديال، رغم أن وضعه ليس سيئًا في مجموعته، إذ يحتل المركز الثاني في المجموعة برصيد 4 نقاط خلف المنتخب الليبي صاحب المركز الأول. ويتبقى له 4 مباريات أولها أمام ليبيا ذهابًا وإيابًا في أكتوبر المقبل وهما مواجهتين يحددان المتصدر والصاعد أول بالتصفيات للمرحلة الأخيرة بنسبة كبيرة.
ولكن السؤال الأهم بعد الإعلان عن المدرب والجهاز الجديد، كيف سيكون شكل الفراعنة مع كيروش؟ وما هي مميزاته الفنية والخططية والتكتيكية والنفسية في التعامل مع نجوم المنتخب بحجم محمد صلاح والنني وغيرهم؟ وحول عيوبه التي صنعت له صعوبات عديدة طوال مسيرته التدريبية وخاصة بالفترة الأخيرة. منها مع منتخبات البرتغال وإيران وأخيرًا كولومبيا، كلها أسئلة نجيب عليها في النقاط الآتية لتقريب وتوضيح الصورة كاملة عن كيروش للجماهير المصرية.
مدرب صاحب شخصية صارمة
قبل الحديث عن أي فنيات، فإن كيروش يتمتع بشخصية قوية صارمة لا تعرف المجاملات فقط من يستحق اللعب سيتواجد لصالح المنتخب دون أي حسابات أو توازنات. كانت أكبر الآفات بالمنتخب بالسنوات الأخيرة، فهو يضع الانضباط والالتزام على رأس أولوياته في اختيارات اللاعبين حتى قبل الجاهزية الفنية. وهو ما أظهرته حادثة استبعاده للحارس مهدي رحمتي من المنتخب الإيراني. وجلبه لحراس المرمى الأربعة في معسكر المنتخب لمؤتمر صحفي للإجابة على الأسئلة بعد الانتقادات التي طالته بسبب رحمتي.
تعلم كيروش كثيرًا من عمله كمساعد للمدرب الاسكتلندي الأسطوري لمانشستر يونايتد السير أليكس فيرجسون، وتأثر كثيرًا به في سماته الشخصية وأسلوب عمله. وكان سببًا في رحيل روي كين نجم المان يو المرموق عن الفريق ومن ثم اعتزاله بسبب صدام وخلاف بينهما في التدريبات فهو في العمل لا يعرف النجوم والشباب ويعلي مصلحة الفريق على أي اعتبار. وهو ما نحتاجه بشدة في الوقت الحالي ومع الجيل المتواجد الآن مع المنتخب وبه لاعبين كثر يحتاجون هذه النوعية والشخصية الصارمة الجادة ليعودوا للمسار السليم.
مدرب متنوع ومرن تكتيكيًا
في بدايته لعب كارلوس كيروش بطريقة لعب 4-4-2 الشهيرة والاعتماد على الهجوم المستمر وضغط الخصم في منطقة جزائه من أجل تحقيق الفوز. ولكن بعدما فشلت تجربته في ريال مدريد قرر الرجوع للدفاع، واللعب على أولوية تأمين شباكه قبل التحول للهجوم.
ويعتمد كيروش على طريقة 4-2-3-1 بشكل أساسي، بالاعتماد على طريقة دفاعية متوازنة في المقام الأول وغلق المساحات لحرمان الخصم من التسجيل. ثم التحرك بهجمة مرتدة سريعة معتمدًا على انطلاقات الجناحين في صناعة الفرص، ونقل الفريق من الحالة الدفاعية للحالة الهجومية.
كما ينوع كيروش بين عدد من الأشكال الخططية في الملعب، ولكنه يبدأ أغلب المباريات بشكل 4-2-3-1. وتتحول إلى الـ4-1-4-1 والتي تتحول في حالة عدم امتلاك الفريق للكرة إلى خطة 4-5-1 بمجرد فقدان الكرة. ثم إلى 5-4-1 في حالة الدفاع، بالإضافة إلى خطتي 4-4-2 بشكلها التقليدي المسطح مع الاعتماد على انطلاقات الجناحين أو شكل الجوهرة منها المعروف كذلك. بالإضافة إلى 4-3-3 الهجومية، وهو ما يجعله مناسبًا لأغلب فرق ومنتخبات العالم لمرونته التكتيكية الكبيرة وتفوقه وتطوره في هذا الجانب الخططي بشكل كبير.
دفاع منظم وهجوم ممتع
بعد خبرات لسنوات عديدة مع مدارس كروية مختلفة وصل كيروش لتوليفته المثالية بين الدفاع والهجوم وتقديم شكل دفاعي متماسك ومتوازن مع هجوم ممتع وخطير. ليحفظ له فريقه دفاعيًا أمام الخصوم ويمتع لاعبيه والجماهير هجوميًا عندما يهاجم الخصوم. فدفاع المدرب البرتغالي يقوم في الأساس على الرجوع لوسط ملعبه وحرمان الخصم من الكرة عن طريق غلق المساحات أمام تمريرات الخصوم وإفشال عملية تحضير هجمة الخصم من الخلف. ثم إجباره على لعب الكرات الطولية من وسط ملعبه والتي لا يكون لأحد فيها الأفضلية.
أما بالنسبة للرباعي الدفاعي فإنهم في حالة امتلاك الخصم للكرة فإنهم يصبحون جميعهم مدافعين مهتمين بمراقبة الأجنحة، ومضايقتهم لعدم منحهم فرصة السيطرة على الكرة.
وفي حالة نجاح الخصم في الخروج بالكرة أو ضرب الدفاع بتمريرة أو مراوغة؛ فإن الفريق ينتقل إلى حالة الضغط بعدوانية وسرعة على حامل الكرة وككتلة واحدة. لاستعادة الكرة في أسرع وقت ممكن، والانتقال بهجمة مرتدة سريعة مستغلًا حالة تقدم الخصم.
وعن هجوم كيروش مع أغلب فرقه، يقوم في الأساس على الانطلاقات من الجناحين، واللعب على التمريرات الخاطفة من وسط الملعب نحو الجناحين. بالإضافة إلى تحرير واحد من ظهيري الجنب على الرواق الخاص به، من أجل تقديم الدعم الهجومي واكتساب أفضلية في عملية الزيادة العددية على الظهير الدفاعي للخصم. وهو الشكل الأمثل لاستغلال قدرات أهم نجم لدينا ومهاجم ليفربول محمد صلاح، وبالتالي خططه للهجوم مثالية للفراعنة مثلما الحال للدفاع وتطويره.
وكذلك يمتاز كيروش بالتنوع الهجومي بين اللعب على الجناحين بانطلاقاتهما أو دخول أحدهما إلى عمق الملعب. وخلخلة دفاع الخصم والتسديد على المرمى أو لعب الكرة مباغتة إلى زميله المنطلق من الجانب العكسي خلف الدفاعات.
أداء مميز لكيروش
كيروش ليس من المدربين أصحاب الجمود التكتيكي، إذ أنه يختار خطة المباراة على حسب الخصوم وما يحتاجه من هذه المباراة. ونوعية اللاعبين الموجودين لديه ومدى جاهزيتهم للمباراة؛ وهذا ما يترتب عليه تنوع في أسلوب اللعب الهجومي إما عن طريق الاعتماد على انطلاقات الجناحين أو التركيز على اختراق دفاعات الخصوم من قلب الملعب. وكذلك اللعب على مهاجم صريح أو الاعتماد على مهاجم وهمي.
هذا الأداء يشبه بنسبة كبيرة أسلوب الألماني يورجن كلوب المدير الفني لليفربول، الذي لا يعتمد على أسلوب هجومي واحد واعتمد في أكثر من مباراة بهذا الموسم على دخول صلاح في عمق الملعب. للعب أدوار المهاجم الصريح في بعض الأوقات، بالإضافة إلى قدراته في مركز الجناح، وهو ما يجعل نجمنا الأبرز في أفضل حالاته الفنية مع المدرب الجديد للفراعنة.
كما يفضل كيروش عملية خروج المهاجم من منطقة الجزاء وتسلم الكرة من الجناحين، وتحريك الهجمة بتبادل التمرير مع الجناح الذي مرر له. أو إيجاد المساحة التي يستطيع من خلالها تسديد الكرة على المرمى، أو خلق زاوية تمرير لزملائه. بالإضافة إلى خداع الخصوم عن طريق خروج المهاجمين من منطقة الجزاء، وإلهاء المدافعين بمراقبتهم ثم تمرير الكرة من خلفهم للجناح القادم من خلفهم.
أخيرًا من أهم مميزات طريقة كيروش الهجومية، هي سرعة انتقال الفريق من الحالة الدفاعية للحالة الهجومية. وإرسال الكرات الطولية للمهاجم المنطلق خلف دفاعات الخصوم من أجل استغلال المساحة التي يخلفها اندفاعهم للهجوم. ولا تقتصر أدوار الأجنحة على أروقتهم فقط والركض من خلالها. ولكن المرونة الهجومية له تجعلهم يتحركون إلى قلب الملعب والمساهمة في نقل الفريق من الحالة الدفاعية للهجومية.
بالنزول لاستلام الكرة وتمريرها أو الانطلاق بها بمنتصف ملعب الخصم، ونقل الهجمة من الرواق الأيمن للأيسر مثلًا أو العكس. ثم الدخول في منطقة الجزاء بانتظار كرة عرضية وتقليل الضغط على المهاجم بشغل أحد المدافعين بمراقبته وتسهيل مهمته.
عيوب كيروش الفنية
رغم اعتماده على أسلوب دفاعي منظم مع غلق المساحات وحرمان الخصوم من الوصول للمرمى بشكل كبير في أغلب تجاربه التدريبية. إلا أن أرقام كيروش الدفاعية ليست بالجيدة فتلقت شباك الفرق التي دربها 348 هدفًا في 337 مباراة؛ لكنه سجل 579 هدفًا.
أسوأ فترات كيروش كانت في تدريبه لريال مدريد، لأنه في تلك الفترة كان مقتنعًا بأسلوب اللعب الهجومي وأولى له كل اهتمامه دون الدفاع. وهو ما تسبب في رحيله عن الفريق بعد عام واحد فقط، ولكن هذه الأزمات لم تنته.
بعد اعتماده على أسلوب اللعب الدفاعي، لم تتلق شباك إيران تحت قيادة كيروش سوى هدفين فقط في المرحلة النهائية لتصفيات كأس العالم 2018. ومثلهما في 3 مباريات بالمونديال ضد البرتغال وإسبانيا وتعادل سلبي مع المغرب. كما أنه نجح في تحقيق سلسلة لا هزيمة أمام المنتخبات الآسيوية استمرت لـ32 مباراة.
بمطالعة أكثر من مباراة لكيروش مع المنتخبين الإيراني والكولومبي، وهما آخر تجربتين له مع المنتخبات، تجد أن أكثر الأهداف التي تلقتها شباكه. إما أنها جاءت عن طريق اختراق للمساحات بين قلبي الدفاع أو بين المدافع والظهير. أو استغلال الخصم لقلة تركيز المدافعين في عملية التغطية العكسية واختراق الدفاع عن طريقها. وهو ما يجب أن يضعه نصب عينيه مع المنتخب الوطني، إذ أن الكرة المصرية لم تكن من أصحاب الفلسفات الدفاعية الحديثة. فعليه الحذر والتركيز على المساحات بين المدافعين وإلا فربما نتعرض لمتاعب كثيرة مقبلة.