بالتوازي مع قمة مجموعة الدول السبع التي تستضيفها بريطانيا، نشرت مدونة البنك الدولي تقريرا حول ضرورة الالتزام بعدالة توزيع لقاح كورونا للقضاء على الجائحة.
ويتصدر جدول أعمال مجموعة السبع بحث سبل إنهاء جائحة كورونا وتأمين التعافي العالمي، لكن وبحسب التقرير هناك تحديات ملحة تواجهنا، إذ بات من الواضح وضوح الشمس أن تحقيق التعافي على نطاق واسع لن يتأتى من دون إنهاء الأزمة الصحية، والحصول على اللقاح مفتاح تحقيق الغايتين كلتيهما، كما أحرز الأمر تقدّم باهر.
فقد توصل العلماء إلى لقاحات متعددة في وقت قياسي، وسخرت الجهات الحكومية والجهات الخاصة تمويلاً غير مسبوق دعماً لأبحاث اللقاحات وتطويرها وتصنيعها على نطاق واسع، لكن ثمة فجوة خطيرة لا تزال قائمة بين أغنى البلدان وأفقرها.
ويلفت التقرير إلى أنه في الوقت الذي بدأت فيه بعض البلدان الثرية بحث إمكانية نشر جرعات معزّزة من اللقاح لحماية سكانها، فإن الغالبية الساحقة من سكان البلدان النامية، بل حتى إن العاملين الصحيين في الصفوف الأمامية، لم يتلقوا حتى الجرعة الأولى.
معضلة توزيع اللقاح في دول العالم الثالث
يشتد الأمر وطأة في البلدان المنخفضة الدخل التي تلقت أقل من 1%من اللقاحات المقدمة حتى الآن.
وبذلك وبحسب التقرير أصبحنا نسير بشكل متزايد نحو جائحة مزدوجة المسار، حيث أغنى البلدان تحصل على اللقاح و أفقر البلدان متروكة خلف الركب.
بدورهم بحث وزراء خارجية مجموعة الدول السبع في لندن، ملف تشارك لقاحات فيروس كورونا مع الدول الفقيرة التي تعيش معاناة صعبة في مواجهة الجائحة، وذلك وسط تزايد الضغوط على الدول الغنية لمشاركة لقاحاتها وخبراتها.
وعلى المستوى نفسه، أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب للصحافيين أن “جزءا قيّما حقا من تركيبة مجموعة السبع يتمثل بالتفكير بشكل شامل حول ما الذي نحتاج إليه من أجل مساعدة الدول الأضعف حول العالم؟”.
غير أن عدم الإنصاف في إنتاج اللقاحات وتوزيعها لا يترك ملايين لا حصر لها من الأفراد تحت رحمة الفيروس فحسب، وإنما يفسح المجال أيضاً لظهور متحورات فتاكة يرتد أثرها القاتل على العالم بأسره بحسب تقرير البنك الدولي.
فالمتحورات الجديدة، دفعت البلدان، حتى تلك التي تنفذ برامج تطعيم متقدمة، إلى إعادة فرض تدابير صحة عامة أشد صرامة، بل عاد بعضها إلى تطبيق قيود السفر.
وفي المقابل، تؤدي الجائحة الجارية إلى تعميق الفوارق في الثروات الاقتصادية بعواقب وخيمة على الجميع.
وكانت بريطانيا دعت الهند إلى محادثات مجموعة السبع في مسعى لإشراك حليف ديمقراطي يلعب دورا بالغ الأهمية في ما يتعلق بالمحادثات المرتبطة بالصين، رغم الضرر الذي تواجهه جراء الجائحة، خاصة بعد تحور الفيروس، وانتشاره في عموم البلاد.
وعلى الهامش وحلال القمة أعلن عن ظهور إصابتين بفيروس كورونا في صفوف أعضاء الوفد الهندي المشارك بالاجتماعات.
وقالت الحكومة البريطانية إن جميع أفراد الوفد الهندي المشارك في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في لندن عزلوا أنفسهم بعد أن أكدت الفحوص إصابة اثنين منهم بالوباء.
خطة الخمسين مليار دولار للقضاء على الجائحة
البنك الدولي بدوره في تقريره دعا إلى مستوى جديد من الدعم الدولي لاستراتيجية تنسيق معزز مدعومة بتمويل جديد وتنفيذها لتطعيم سكان العالم جميعاً.
وقد عرض موظفو صندوق النقد الدولي مؤخراً مقترح خطة بغايات واضحة، وإجراءات عملية، وتكلفة مجدية.
وتستند الخطة إلى العمل الجاري الذي تضطلع به المنظمة وشركاؤها في إطار مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة جائحة كورونا، برنامجها العالمي لإتاحة اللقاحات المعروف باسم كوفاكس، فضلاً عن عمل مجموعة البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وجهات أخرى كثيرة.
وبميزانية تقدر بمبلغ 50 مليار دولار أمريكي، تساهم الخطة في تسريع وتيرة إنهاء الجائحة في العالم النامي، والحد من حالات الإصابة بالعدوى وفقدان الأرواح، وتسرّع خطى التعافي الاقتصادي، وتولد نحو 9 تريليونات دولار أميركي من الإنتاج العالمي الإضافي بحلول عام 2025.
علما بأن نحو 60% من المكاسب ستجنيها الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، في حين أن 40 % من هذه المكاسب سيستفيد منها العالم المتقدم، فضلا عما سيعود من منافع لا تُقدّر بثمن على صحة الناس وحياتهم بحسب تقرير البنك.
وكانت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أكدت على التزام إدارة بايدن بالتعددية لحل القضايا العالمية، وأضافت أن “الولايات المتحدة تعطي أولوية قصوى لتعميق مشاركتنا الدولية وتعزيز تحالفاتنا”.
وفي إشارتها إلى الحاجة إلى مساعدات مالية إضافية، أكدت أن “وقت الانطلاق الكبير قد حان” وأن مجموعة الدول السبع ينبغي أن تركز على ما يمكنهم القيام به لتقديم الدعم في هذا الوقت.
إلى ذلك، تعهدت الولايات المتحدة بأكثر من أربعة ملايين دولار كمساهمة في كوفاكس، وهو أكبر تعهد تقدّمه أي دولة للبرنامج، كما أشارت الأسبوع الماضي إلى أنها توصل إمدادات إلى الهند بقيمة أكثر من مئة مليون دولار لمساعدتها في مواجهة أزمة الوباء.
وقال وزير المالية الياباني تارو آسو إنه دعا خلال الاجتماع إلى “استجابات سياسية” لوضع الاقتصادات على مسار التعافي، كما أشار إلى أهمية الإسراع في توزيع اللقاحات بما يعود بالفائدة على الدول النامية، آخذا في الاعتبار التأخيرات في تطعيم الناس في أفقر دول العالم.
وفيما يتعلق بدعم الدول ذات الدخل المنخفض، بما في ذلك إجراءات تخفيف الديون، قال آسو إن المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يجب أن تدرك حقيقة برامج المساعدات المالية الصينية، إذ تم اتهام بكين باستخدام إقراضها الدولي لجذب الدول النامية إلى مجال نفوذها.
ملامح الخطة المقترحة للقضاء على الجائحة
أما الخطة المقترحة لإنهاء الجائحة، تهدف أولاً إلى تطعيم المزيد من الأفراد بوتيرة أسرع من ذي قبل؛ وقد وضعت المنظمة وشركاؤها في مبادرة «كوفاكس» هدف تطعيم 30 % على الأقل من السكان في جميع البلدان بحلول نهاية عام 2021 ، وقد ترتفع هذه النسبة إلى %40 من خلال اتفاقات أخرى وزيادة الاستثمارات، وقد تصل إلى 60 % بحلول النصف الأول من عام 2022.
ويقتضي تحقيق هذا الهدف تسخير تمويل إضافي للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وتخصيص جزء كبير منه في شكل منح وتمويل ميسر، ومن أجل إيصال اللقاحات عاجلاً إلى مستحقيها من الأفراد، يشدد البنك على ضرورة التبرع فوراً بالجرعات للبلدان النامية، كما يجب أن يتزامن ذلك مع خطط وطنية لنشر اللقاح بسبل منها مرفق كوفاكس.
كذلك يتعين أيضاً إقامة تعاون تجاري لضمان تدفقات حرة عبر الحدود وزيادة إمدادات المواد الأولية واللقاحات الجاهزة.
أما ثاني أهداف الخطة فهي التأمين ضد مخاطر الخسارة الناجمة مثلاً عن ظهور متحورات جديدة قد تتطلب جرعات معززة، ما يعني ضرورة الاستثمار في تعزيز قدرة إنتاج اللقاح بمقدار مليار جرعة على الأقل، وتنويع الإنتاج بحيث يشمل الأقاليم التي تفتقر حالياً إلى القدرة على الإنتاج، وتقاسم التكنولوجيا والدراية، وزيادة الترصد الجينومي والرقابة على سلسلة الإمداد، ووضع خطط للطوارئ للتعامل مع طفرات الفيروس واضطرابات الإمداد.
كما يجب إزالة كل العراقيل أمام توسيع نطاق الإمدادات، وندعو أعضاء المنظمة إلى تسريع المفاوضات من أجل التوصل إلى حل عملي بشأن جوانب الملكية الفكرية.
وتبذل العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أيضاً ومنها مصر جهوداً للاستثمار في قدراتها الخاصة بالتصنيع المحلي، وهو ما يعدّ ذا أهمية محورية ليس لإنهاء هذه الجائحة فحسب، بل للتأهب لمثيلاتها أيضاً.
يجدر الإشارة إلى ان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاهلت الدعوات لتخفيف قواعد الملكية الفكرية من أجل السماح بتوفير لقاحات بأسعار منخفضة، والتي دعا إليها ناشطون والهند، المصنعة للقاحات.
ماذا عن التكلفة المقترحة؟
من مجموع التكلفة المقدّرة بمبلغ 50 مليار دولار أميركي، هناك حاجة قوية إلى أن يتأتى مبلغ 35 مليار دولار على الأقل، في شكل منح مالية بحسب التقرير.
وقد صدرت إشارات إيجابية بالفعل من حكومات «مجموعة العشرين» التي أقرّت بأهمية المساهمة بمبلغ تمويل إضافي بنحو 22 مليار دولار أميركي لمبادرة تسريع الإتاحة في عام 2021.
وهناك حاجة إلى تمويل إضافي بنحو 13 مليار دولار أميركي لإعطاء دفعة قوية لإمدادات اللقاح في عام 2022 وزيادة الاختبارات والعلاجات والترصد.
أما المبلغ المتبقي من خطة التمويل العام أي زهاء 15 ملياراً فيمكن أن يتأتى من الحكومات الوطنية بدعم من المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف، ومنها البنك الدولي الذي خصص مبلغ 12 مليار دولار أميركي لتيسير تمويل حملات التطعيم.
الخطة تقتضي التمويل مقدماً والتبرع باللقاحات مقدماً والتخطيط والاستثمارات التحوطية مقدماً أيضاً، بدلاً من التعهدات التي قد يتباطأ تنفيذها، وكذلك من الضروري إتاحة كل ذلك في أسرع وقت ممكن.
وتقتضي الخطة أيضاً تنسيق الجهود العالمية، استناداً إلى الشفافية التامة في عملية الشراء والتسليم، فنجاح الاستراتيجية يتوقف على العمل المتناغم للأطراف كافة القطاع العام، والقطاع الخاص، والهيئات المالية الدولية، والمؤسسات الخيرية.
ويعكف صندوق النقد الدولي على تخصيص حقوق سحب خاصة غير مسبوقة لدعم الاحتياطيات والسيولة لدى أعضائه، اما منظمة الصحة العالمية فمنكبة على تحديد التمويل المطلوب لكي يتسنى الوفاء بالاحتياجات الملحة لخطتها الاستراتيجية للتأهب والاستجابة، في حين يعمل مجمّع إتاحة تكنولوجيات مكافحة كورونا على حفز تقاسم الخبرات والتكنولوجيا.
أما البنك الدولي ينفذ مشاريع في 50 بلداً على الأقل بحلول منتصف العام، حيث تعكف مؤسسة التمويل الدولي على تعبئة القطاع الخاص لدعم توريد اللقاح إلى البلدان النامية، كما تعمل منظمة التجارة العالمية من جهتها على تحرير سلاسل الإمداد لإنجاح الخطة.