في الهند، ادعى متطوع يبلغ من العمر 40 عامًا، كان قد خضع لاختبارات “لقاح كورونا” Covishield، وهو اللقاح المختار من قبل معهد اللقاحات الهندي ومقره بيون، بأن اللقاح أثار رد فعل سلبي؛ حيث تسبب له في ضعف عصبي، وعدم القدرة على العودة لحياته السابقة، فسعى لمقاضاة الشركة من أجل 5 كرور روبية.
توضح الشركة أن الشخص خرج عند الطلب، وكان يتعافى من اعتلال حاد بالدماغ، مثلما كان يعاني من نقص في فيتامين ب وفيتامين د، وكان يعاني من اضطراب محتمل في النسيج الضام.
“لقاح كورونا” مثل الإنفلونزا.. آثار جانبية طبيعيةوبسيطة
وعلى الرغم من تعافي الشخص جيدًا بعدها، إلا أن الأمر أثار عددا من الأسئلة الموجهة للمعهد، مثلما أثار تخوف بعضهم حيال الآثار الجانبية المحتملة للقاح الجديد، إلا أن المسئولين عن تطوير اللقاحات الجديدة يؤكدون أن الأعراض الجانبية شائعة، مثل تلك التي تحدث بسبب اللقاحات الأخرى، كلقاح الإنفلونزا الموسمية. حيث يمكن أن يسبب الحمى والتعب، وقد يضطر متلقو اللقاح لتفويت يوم أو اثنين من العمل، إلا أن المسؤولين يؤكدون أن الآثار الجانبية الخفيفة إلى المعتدلة أمر جيد؛ فهي علامة على استجابة الجهاز المناعي للقاح.
ويشير الخبراء إلى أن المفتاح هو الموازنة بين الانزعاج المؤقت والفوائد طويلة المدى، أي تحمل عدم الراحة لبعض الوقت؛ لتحقيق مستوى مرتفع من الحماية ضد مرض قتل أكثر من 1.4 مليون شخص عالميًا. فكثير من الأشخاص يمارسون الرياضة، ويعانون من آلام العضلات بعد ذلك، لكن لا أحد يقول لن أمارس الرياضة مرة أخرى.
اقرأ أيضًا:
مع اقتراب طرحه في الأسواق.. هل تحصل الدول الفقيرة على لقاح “كورونا”؟
ومن المهم وضع في الاعتبار أن غالبية الأعراض الجانبية تحدث بعد وقت قصير من التطعيم في الأسابيع الأولى، وحتى شهرين من التطعيم، وتشمل حمى خفيفة، وصداع، وشعور بالإرهاق، أو ألم بالذراع أو بالجسم. لذا يجب على مقدمي الخدمة الطبية أن يكونوا على استعداد لشرح ذلك إلى الأشخاص الذين سيتلقون أي من لقاحات كوفيد-19 الجديدة، خاصة أن بروتوكول اللقاح ينص على أنه سيتطلب جرعتين بينهما أسابيع حتى يعمل؛ لذا فمن الممكن أن يحجم بعض الأشخاص عن تلقي الجرعة الثانية من التطعيم عند ظهور أية أعراض جانبية.
لذلك، يجب مناقشة الآثار الجانبية المحتملة في وقت مبكر؛ لمواجهة المعلومات المضللة التي تبالغ في تقدير المخاطر أو تشوهها، فمن المأساوي أن يتوفر لقاح، ويحجم الناس عن الحصول عليه؛ فنحو نصف الأمريكيين غير مستعدين لتلقي اللقاح.
ونظرًا لأن فاعلية بعض اللقاحات، مثل لقاح شركة فايزر تصل لـ90%، فهذا يعني أن 1 من كل 10 متلقين سيظل معرضًا للخطر، ما يعني أنه على المدى القصير على الأقل، مع نمو المناعة على مستوى السكان، لا يمكن للناس التوقف عن التباعد الاجتماعي، والتخلص من الكمامات.
“كورونا”.. الجدل حول “اللقاحات” لا ينتهي
جدير بالذكر أن الجدل حول اللقاح المنتظر ليس جديدا، فلم يمض وقت طويل على ظهور الحالات الأولى لـCOVID-19 حتى بدأت نظريات المؤامرة في الانتشار، فمنهم من قال إنه حيلة سرية من قبل شركات الأدوية لبيع لقاح، بينما روج آخرون لإدعاء بأن بيل جيتس يعمل على إنشاء جهاز تتبع؛ ليتم غرسه في لقاح COVID-19، فيما يدعي آخرون أن اللقاح وسيلة لتغيير حمضنا النووي، أو سوف تحتوي الحقن على أنسجة من أجنة مجهضة، أو حتى سلاح للإبادة الجماعية.
وقد ساهمت هذه النظريات في الإحجام عن الاستخدام المستقبلي للقاح COVID-19، حتى أن مغنى الراب الأمريكي كانيه ويست عندما أعلن أنه سيترشح لمنصب رئيس الولايات المتحدة، أعرب أنه من المناهضين للقاحات.
فيما أشار استطلاع رأي في المملكة المتحدة أن واحدا من كل ستة بريطانيين قد لا يحصل على التطعيم إذا أصبح لقاح فيروس كورونا متاحًا، فيما لم يقرر سدس آخر من المشاركين في استطلاع مختلف ماذا سيفعلون، وما يثير القلق أن هذا يعني أن ما يصل لثلث سكان المملكة المتحدة قد يرفض لقاح كورونا.
ووفقًا لعلماء الأوبئة، قد نكون بحاجة لتطعيم ما يزيد عن 70% من السكان، فتلقي التطعيم لا يحمي متلقيه من العدوى وحسب بل يساعد الآخرين أيضًا ممن لا يستطيعوا تلقي التطعيم، فبمجرد تلقيح عدد كافٍ من السكان يصعب انتشار الفيروس، وهو ما يسمى «مناعة القطيع».
المتششكون يزدادون.. عداء قديم للقاحات
المشاعر المناهضة للقاحات ليست جديدة، فقد كان العداء للقاحات موجودًا منذ عام 1796، بعد أن قام إدوارد جينر بتلقيح الأطفال ضد الجدري لأول مرة في التسعينيات، عندما كتب الطبيب البريطاني أندرو ويكفيلد عن الروابط -المشكوك فيها- بين الحصبة والنكاف واللقاح والتوحد. ووفقًا لبيانات الممكلة المتحدة لعام 2018-2019، وجد أن الإقبال على لقاحات الأطفال انخفض للعام الخامس على التوالي؛ ما جعل منظمة الصحة العالمية تدرج التردد في تلقي اللقاحات، أو رفضها، باعتباره من أكبر عشرة تهديدات للصحة في عام 2019. علاوة على ذلك، ارتفعت حالات الحصبة والنكاف على مدى العقد الماضي في انجلترا، رغم إمكانية تجنب الإصابة عبر تلقي اللقاح.
هناك عديد الأسباب التي قد تجعل الناس يرفضون اللقاحات، مثل خوف الأشخاص من الإبر، أو الاعتقاد في نظريات المؤامرة، والتي تنتشر في فترات التهديد المتوقع، وانعدام السيطرة واليقين، ومن أبرزها أن تقنية 5G هي سبب اندلاع فيروس COVID-19.
على الصعيد الآخر، لاقت حسابات المناهضين للقاحات على وسائل التواصل الاجتماعي رواجًا بنسبة 19%، أو 7.8 مليون شخصًا هذا العام. كما أن نحو 31 مليون شخص يتابعون مجموعات مناهضة للقاحات على فيس بوك، وبحسب المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، يمكن أن تحقق حركة مناهضة اللقاح مليار دولار أمريكي من العائدات السنوية لشركات التواصل الاجتماعي، منها 989 مليون دولار لشركة فيس بوك وإنستجرام وحدهما، معظمها من الإعلانات التي تستهدف المتابعين لهذه الحسابات.
لقاح كورونا.. استراتيجيات كسر الشكوك
ترى جينيفر رايش، عالمة الاجتماع بجامعة كولورادو دنفر، إلى أن الشك في جدوى اللقاح هو نتاج للضغط الاجتماعي على الناس لتحمل المسولية الشخصية عن صحتهم، فهم مطالبون بأن يحسبوا سعراتهم الحرارية، ويعدون خطواتهم، ويراقبون صحتهم. فيما يقطع بعض الناس شوطًا أبعد من ذلك إذ يقررون أنه يمكنهم تدريب أجسامهم على درء الأمراض، دون مساعدة اللقاحات. مثلما يرغب الآباء المترددون في تلقي اللقاحات في القيام بما هو «صحيح» تمامًا من أجل صحة أطفالهم، بما في ذلك الاختيار الشخصي للمواد التي يتم حقنها فيهم.
فيما يرى آخرون من المتشككين أن صناعة الأدوية تتعاون مع الأطباء والحكومة؛ لتحقيق الربح في الخفاء، وما يزيد أزمة الثقة تلك هو صناعة الرعاية الصحية الغامضة والمكلفة للغاية.
ولأجل كسر هذه الهواجس حول جدوى اللقاحات ابتكر باحثون عددًا من الاستراتيجيات منها تخويف الناس. فقد قام زاكاري هورن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ولاية أريزونا، بتقسيم 315 مشاركًا إلى ثلاث مجموعات، قرأت المجموعة الأولى قصة عن طفل أصيب بالحصبة. ونظرت إلى صورة طفل مصاب بالحصبة، أو النكاف، أو الحصبة الألمانية؛ ثم قراءة التحذيرات حول أهمية التطعيم. فيما قرأت المجموعة الثانة إحصائيات توضح عدم وجود صلة بين التطعيم والتوحد. بينما قرأت المجموعة الثالثة موضوع غير ذي صلة. فكانت المجموعة الأولى التي تعرضت لقصة حية أكثر عرضة لتغيير موقفها تجاه اللقاحات من المجموعتين الآخرين.
اقرأ أيضًا: لقاح كورونا.. ترقب عالمي لساعة الخلاص من الفيروس
وفي دراسة مماثلة أصبح نحو 70% من الطلاب الجامعين المترددين بشأن اللقاحات مؤيدين لها، بعد مقابلتهم أشخاصًا مصابين بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات مثل شلل الأطفال.
كما وجد أنه عند سماع الأشخاص القلقين حيال التلوث وعدم النظافة -وهو حال عديد من المترددين بشأن اللقاح- أعراض الحصبة الموصوفة بعمق يؤدي إلى انخفاض بنسبة 10% في قبولهم للمعلومات المضللة عن اللقاح.
فيما يرى خبراء آخرون أن تعديل المواقف عبر إعطاء المتشككين معلومات صحيحة ممارسة غير مجدية؛ فهو يجعلهم في الواقع يضاعفون في مقاومتهم، وهو ما يعرف بـ«التأثير العكسي».
لذا يرى هؤلاء الخبراء أن استراتيجية «تغيير السلوك المباشر» هي الأنجع، كأن يخبر طبيب الأطفال الآباء ببساطة عن التطعيمات التي سيجرونها خلال موعد طفلهم، بدلًا من سؤالهم عما سيفعلون حيال الحقن.
إلا أن هذه الاستراتيجية ليست مضمونة، فمن الممكن أن يلجأ الآباء للإعفاء الديني للالتفاف على قواعد اللقاح، فقد تدعي بعض الطوائف أن لقاح الفيروس التاجي مسيئًا إلى إلههم. لذا يجب سماع صوت المتشككين في اللقاح، عوضًا عن السخرية منهم، وإنما يجب معالجة مخاوفهم دون نعتهم بالجنون، فليس من الجنون التساؤل عن كل هذه المكونات التي تبدو مخيفة في اللقاحات.
اقرأ أيضًا: اليوم أول استخدام لـ”لقاح كورونا” بمصر.. هل حانت نهاية الجائحة؟
لكن معالجة الروايات المضادة للقاح COVID-19 أمر بالغ الأهمية، وإحدى هذه الطرق هي محو الأمية الإعلامية الرقمية، كوسيلة لتقليل الاعتقاد السائد بالمعلومات المضللة، ومنها إعطاء الناس نصائح حول اكتشاف الأخبار الكاذبة، كي يغدوا أقل عرضة لتصديق العناوين غير الدقيقة.
ومن جانبها، تبحث حكومة المملكة المتحدة في إجراء حملة أوسع لترويج استخدام اللقاح باستخدام المشاهير، والشخصيات العامة المعروفة.
فيما يرى مسؤولون آخرون أنه يجب سن قوانين الطوارئ، للقضاء على المحتوى الخطير المضاد للقاحات على الإنترنت، مع فرض عقوبات مالية وجنائية على شركات التواصل الاجتماعي، التي لا تزيل قصص التخويف الكاذبة حول اللقاحات.
وقد أبرمت عدد من الشركات مثل جوجل وتويتر وفيس بوك اتفاقية التزام مع حكومة المملكة المتحدة بعدم الاستفادة من المواد التي تروج معلومات مناهضة للقاحات، والرد على المحتوى الذي تم الإبلاغ عنه بسرعة أكبر، وتعزيز المصادر الموثوقة للمعلومات.
والآن، أخبرنا.. إذا توفر اللقاح الجديد في بلدك فهل ستتلقاه، أم لا؟ ولماذا؟