بعد 3 سنوات من اعتباره تقريرًا سريًا، قرر الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن العفو عن التقرير الاستخباراتي الأمريكي حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وهو التعهد الذي ألزم به الرئيس بايدن نفسه بعد توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أنه أمر شائك يضع المملكة العربية السعودية في أزمة. ذلك بعد ما تردد من إشارة بالتقرير حول أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان “وافق أو من المرجح أنه أمر بقتل الصحفي السعودي”.
عن توقيت الإفراج عن هذا التقرير وتأثيره على العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية. إلى جانب العديد من المستجدات في السياسة الخارجية الأمريكية. خاصة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، والعلاقات مع مصر، أجرى “مصر 360” هذا الحوار مع مهدي عفيفي المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي في واشنطن.
لماذا الآن أفرجت الولايات المتحدة عن تقرير خاشقجي؟
– يأتي توقيت الإفراج عن التقرير الخاص بالمخابرات المركزية في هذا الوقت، لأن هذا تعهد أخذه بايدن على نفسه في الحملة الانتخابية. بايدن قال إنه سيترك الحرية لوزارة العدل تقرر ما تراه مناسبًا دون تدخل في هذا الموضوع. كما تعهد أيضًا وزير العدل أثناء اللقاء مع مجلس الشيوخ للموافقة عليه بأنه لن يخفي هذا التقرير. وعد الرجل بأنه التقرير سيخرج في الوقت المناسب.
لا أرى أن توقيت خروج هذا التقرير له أهمية كما يحاول البعض تصويره. كان لابد أن يخرج، بل أن الإفراج عنه تأخر. هو تعهد بايدن ووزير العدل أمام مجلس الشيوخ.
التقرير اكتفى بتوجيه الاتهام لولي العهد السعودي في مقتل خاشقجي. لماذا لم يتم فرض تدابير ضده؟
– التقرير حاول الربط، ولم يوجه اتهامًا مباشرًا. جاء بالاحتمالات نظرًا لأن ولي العهد هو المسؤول الأول في المملكة، والذين ألقي القبض عليهم بعضهم كان يعمل معه مباشرة. لكن لا توجد دلائل مباشرة تقول إنه هو بنفسه من أعطى هذا الأمر. لذلك أعتقد أن الإدارة الأمريكية لن تتخذ تدابير إلا مع الأشخاص الذين تمت تسميتهم وأثبت ضلوعهم في الأمر. والمملكة حاكمت بعض من هؤلاء.
هل ستمر العلاقات الأمريكية-السعودية بتغيير حقيقي عقب هذا التقرير؟
– لا أعتقد أن العلاقات بين أمريكا والسعودية تأثرت أو ستتأثر. كنت دائمًا أردد أنه لو كانت ستتأثر لتأثرت بأحداث 11 سبتمر التي كان بين مرتكبيها متهمين سعوديين. العلاقات بين البلدين قوية، قد يشوبها بعض مشاكل وعدم توافق في بعض القضايا، لكن لا أعتقد أنها ستتأثر إلا إذا كانت تحركات أمريكا ضد السعودية بشكل أكبر.
تأخر اتصال جو بايدن بالملك سلمان لكنه حدث أخيرًا. ما مؤشرات ذلك؟
– اتصال الرئيس بايدن بالملك سلمان كما رأينا وسمعنا من البيانات الرسمية كان يتسم بالصداقة. أكد الرئيس للملك على أن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن المملكة. بالطبع كانت هناك مناقشة لقضايا حقوق الإنسان، وهي من أولويات الإدارة الأمريكية الحالية. لكن هذه المكالمة اتسمت بالصداقة والتركيز على العلاقة المتينة بين الرياض وواشنطن.
هل يسعى جو بايدن لتقليص دور الأمير محمد بن سلمان؟
– لا أعتقد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن سيتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية. لن يسعى لتقليص دور محمد بن سلمان أو غيره. المؤشرات واضحة بأن العلاقة بين السعودية وأمريكا علاقة مؤسسية. وهذه العلاقة ليست كما كان يحاول دونالد ترامب تصويرها بأنها علاقة أشخاص. السعودية استطاعت أن تنأى بنفسها حتى فترة الانتخابات عن تأييد أحد بشكل معين. أتذكر موقف سفيرة المملكة في واشنطن عندما سألت عن الانتخابات. قالت إن هذا أمر داخلي وليس للمملكة أي شأن فيه.
المملكة لها شأن مع المؤسسات الأمريكية؛ سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، والعلاقات طويلة على مدى 80 عامًا.
كيف ترى العلاقة بين مصر وأمريكا في ظل إدارة جو بايدن؟
– العلاقات المصرية-الأمريكية قديمة. كما أن السياسة المصرية قادرة على التعامل مع الإدارات المختلفة. وأعتقد أنه من المهم أن يكون هناك تطويد للعلاقة.
هناك دور على البرلمان المصري لابد أن يلعبه. وباعتباري سياسي أمريكي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، هذا الدور لا يحدث إلا بتواصلات دائمة مؤسسية من البرلمان المصري بأعضاء الكونجرس، وبشكل حقيقي، لا كما يظهر بالصور وغير ذلك.
لا أرى إلى الآن هذا يحدث. خاصة وأن دور البرلمان المصري مفقود في توطيد العلاقات المؤسسية مع الولايات المتحدة الأمريكية وغير مستمر وغير فاعل. لابد لأي دولة أن تكون لها علاقات من خلال المظلة العربية أو من خلال استخدام السياسة الناعمة والدبلوماسية. على البرلمان المصري دور في تحسين هذه العلاقة وتوضيح الصورة الحقيقية، وأن يقوم بعمل مؤسسي وليس إضاعة الوقت والمال في التقاط الصور مع بعض الشخصيات الأمريكية.
هناك تقديرات متفاوتة عن موقف بايدن من إيران. فهل ينجح في إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات؟
– يحاول البعض تصوير أن إدارة بايدن ستكون نسخة من إدارة أوباما. في هذا خلط كبير، فالوقت مختلف والأشخاص والمؤسسات مختلفة، ويبرز هذا في تعيينات بايدن لوزرائه.
نرى أن الرئيس الأمريكي اختار متخصصين في العلاقات الإيرانية. وهو يسعى للتفاوض مع إيران، وهذا لا يعني العودة إلى الاتفاق النووي القديم. فكما أعلن بايدن نفسه هناك شروط للولايات المتحدة الأمريكية حتى يتم رفع العقوبات عن إيران.
الولايات المتحدة الأمريكية تعمل من خلال علاقتها بالدول الأوربية وعلاقتها بالحلف الأطلسي في تقييم كيفية التعاون أو التعامل مع إيران، وهي تترقب نتائج الانتخابات القادمة في إيران. حتى أنها تستخدم الأبواب الخلفية في ذلك. عبر دول تقوم بدور الوساطة في المفاوضات. وهذه الدول تعلم جيدًا أنه حتى مع إطلاق العنان لإيران أن تقول ما تقول، لن تتنازل أمريكا عن شروطها قبل التفاوض.
الولايات المتحدة ترى أنه لابد أن يكون هناك اتفاق نووي حقيقي قائم على أساسات من ضمنها دخول الصواريخ البالستية والتدخلات الإيرانية في المنطقة. وكذلك إشراك بعض الحلفاء والشركاء مثل المملكة العربية السعودية.
هل نشهد مصالحة بين إيران والسعودية في عهد بايدن؟
– المملكة العربية السعودية بدأت في هذا ولكن إيران متشددة. هي لا تريد أن يكون للمملكة دور في المفاوضات الخاصة بالتسلح النووي (البرنامج النووي الإيراني).
أعتقد أن إدارة بايدن ستحاول وضع حلول لأكثر من مشكلة في المنطقة، وعلى رأسها مشكلة إيران وتمددها ودعمها لجماعات مختلفة في مناطق مختلفة، وتدخلاتها في دول كثيرة في الشرق الأوسط.
لماذا أخرج بايدن الحوثيين من تصنيفهم الإرهابي؟
إدارة بايدن تعمل مع المؤسسات الإغاثية والحقوقية لتوصيل الغذاء لليمنيين. تقريبًا ثلثا شعب اليمن تحت خط الفقر والمجاعة. يجب الوصول إلى هؤلاء، وهذا لا يمكن إلا برفع هذه التصنيفات. كما أن الإدارة الأمريكية وقالها بايدن بنفسه أكدا أن رفع التصنيف الإرهابي لا يعني عدم محاسبة المخطئين في جرائم داخل اليمن. الولايات المتحدة حتى وإن رفعت التصنيف الآن هي تملك كافة أوراق اللعبة. يمكنها أن ترجعهم للتصنيف مرة أخرى، ويمكنها فرض عقوبات على أشخاص بعينهم في أي وقت. الإدارة الأمريكية تريد حاليًا دعم العمل الخيري داخل اليمن، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لمحاولات تأسيسية.