قال مدحت الزاهد -رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي- إن فرصة نجاح الحوار السياسي مرهونة باقتناع النظام الحاكم بأهمية التنوع. فهذا يصب في المصلحة الوطنية بإثراء الحياة العامة ويفتح الطريق لفتح القنوات لمن يريد أن يخدم وطنه.
وحدد “الزاهد” في حوار خاص مع “مصر 360” القواعد التي يمكن أن يبنى عليها حوار وطني سياسي ناجح. وهي الشفافية والعلن. على أن يناقش القضايا الحقيقية التي تهم الناس وتمثل تحديات للوطن.
ورد “الزاهد” على ما يثار حول أن فتح الأفق العام ربما يؤدي إلى الفوضى بقوله إن ثورة يناير “لم تنفجر بسبب ثقوب أمنية. بل لعوامل تراكمية أدت لتصدع الجدار السياسي لنظام مبارك. سواء بسبب التهميش أو إصابة السلطة بالشيخوخة أو التوريث”. مؤكداً أن تقوية الأحزاب والمؤسسات الرسمية مهم لجذب الشباب وعدم تركهم فريسة للتيارات الإرهابية أو التفكير في حلول غير سلمية.
وإلى نص الحوار.
بصفتك رئيس حزب معارض. هل ترى إمكانية نجاح لحوار وطني كالذي دعا له رئيس الجمهورية؟
هذا أمر مرتبط بالإرادة السياسية ونية مؤسسات الحكم. وليس الأمر معلقا برغباتنا. فإذا صدقت هذه الإرادة يزيد ذلك من فرصة نجاح الحوار. ودعنا نتحدث بصراحة أن هناك تطورا إيجابيا حدث خلال الأيام الماضية أعطى مؤشرات على إمكانية نجاح الحوار وتقبله من السلطة وانتقاله من مربع الإغلاق والسكون التام. وذلك نتيجة الحكم بمنطق القبضة ولا شريك. وأن الموالين هم الطرف الوحيد الذين يديرون المسألة. وكان المفهوم إدارة ثكنة وليس إدارة دولة فيها تعددية.
ونجد هنا أن عدم وجود التعددية لهو أخطر الموضوعات التي تعانيها الحياة السياسية المصرية. فقد وقفت قوانين الانتخابات مثلا بنظام القائمة المغلقة أمام صنع تعددية وتنوع في البرلمان. ما أغلق الباب أمام المنافسة. بحيث الأمور بدأت مثل الاتحاد الاشتراكي في أيام الستينيات والسبعينيات. والتي حددت شروط الدخول للحياة السياسية بالانتماء إليه.
وتم تطبيق هذا المفهوم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لغرفتي البرلمان. ووجدنا في تلك الانتخابات أن الأحزاب التي ترغب في دخول البرلمان عليها أن تنضم للتحالف الذي تقوده أحزاب الموالاة كشرط لنيل أعضائها عضوية البرلمان. لأنك في النهاية لن تتمكن من الدخول في ظل القائمة المغلقة. وهو نظام انتخابي مندثر تقريبا وغير موجود إلا في أربع دول حاليا على مستوى العالم.
لكن هذا النظام الانتخابي جاء لتمكين المرأة والأقباط والشباب والأقليات المهمشة
لسنا ضد التميز النوعي. بالعكس نرى ضرورة له كمرحلة انتقالية حتى يتعافى المجتمع. وقدمنا أفكارا عدة لتكون القائمة نسبية وليست مغلقة. ويضمن هذا تمثيل الفئات. لكن لم تكن هناك نية لدى من يدير الأمور ليمنح الفرصة إلا للأحزاب التي “تحت طوعه” لتوجد في البرلمان. رغم أنه يدرك أنه مهما زادت نسبة أحزاب المعارضة في البرلمان فلن تمثل له خطورة ولن تتجاوز نسبة الـ10%.
أضرب المثل هنا للتدليل على أن الأمر متاح أمام السلطة لتفتح المجال العام دون أن يمثل لها الأمر تهديداً. بل يمكن أن يضيف لها مصداقية.
لكن طريقة الإدارة لا ترغب في وجود أي صوت معارضة أو مختلف. والذي وصل إلى حد أن تم القبض على مجموعة “تحالف الأمل” بتهمة أنها كانت تعد قوائم لخوض الانتخابات. وهو ما أنهى الأمل في المشاركة بالانتخابات وأعدم الثقة في إحراز أي تقدم.
أدركنا كقوى معارضة أن العملية السياسية أصبحت حكراً على من يدخل عبر بوابة واحدة. وأن النظام السياسي لا يريد التنافسية ولن يسمح بها لا في البرلمان ولا النقابات ولا مؤسسات المجتمع المدني. وصار هناك ما يمكن أن نعرّفه بأنه “تأمين مقنن” لصالح الصوت الواحد والهيئة الواحدة. يضاف لذلك أمور سابقة في انتخابات الرئاسة. عندما واجه كل من تحدث عن نيته خوض الانتخابات تهما مثل قضية “صباع خالد علي” أو ما حدث مع أحمد شفيق وصولا إلى سامي عنان.
لا نتحدث عن التنافسية والمناصب بل نتكلم عن حوار حول قضايا وطنية
لا أقصد التنافس أو الحصول على المناصب. بل ما حدث يوضح نية النظام. فإذا كان يريد الحوار أن ينجح عليه الاعتراف بأهمية التنوع لأنه مصدر للغنى والثراء. ويعطي فرصة لأطراف أخرى ممن لديها أفكار أن تطرحها بأريحية لخدمة البلد. والأمر ليس مقصوراً على السياسة. فهناك مئات الخبراء في كافة التخصصات يمكن أن يقدموا أفكارا مختلفة. خبراء في العقارات أو الصناعة أو الزراعة كان ممكن أن تستفيد منهم عند تنفيذ مشروعات مثل العاصمة الإدارية أو غيرها. أو من لهم خبرات متعلقة بإنتاج القمح وطرق الزراعة الحديثة.
ما أقصده أن فائدة الحوار لا تقتصر على جوانب سياسية. بل توسيع المجال العام لتتيح طرح مزيد من الأفكار في كافة المجالات. لأن الحوار في حد ذاته يفرض جوا صحيا في المجتمع ويحفز كل من لديه خبرة ورؤية أن يتحدث ويشارك. ففي النهاية يكون لدينا ذخيرة من الأفكار والرؤى المتعددة التي يمكن أن تلجأ إليها الدولة في أي وقت أو مواجهة أي تحدٍّ.
وأتذكر أنه ذات مرة نظم التيار الديمقراطي مؤتمراً في 2016 لمناقشة القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وعقب انتهاء أعمال المؤتمر أرسلنا نتائج ما توصلنا إليه عبر وفد إلى مؤسسة الرئاسة. وكان به طرح بدائل في السياسات. لكن للأسف لم يتفاعل معنا أحد رغم أننا كتيار مدني أردنا أن نقول إننا نريد الحوار.
كيف ترى سبل إنجاح الحوار الوطني؟
لكي ينجح الحوار لا بد ألا يقتصر على الأحزاب. ولا يجري في غرف مغلقة بل يكون مفتوحا على الرأي العام. سواء نقابات مهنية وروابط وغيرها. ويحظى بتغطية من وسائل الإعلام. وكذلك وجود آلية لتنفيذ ما يصل إليه من نتائج أو على الأقل الرد عليها. ولا يكون الأمر مقتصرا على أن الناس اجتمعت وخرجت بتوصيات وكل ذهب إلى بيته ولا أحد يعرف ما مصير النتائج التي توصل إليها الحوار وكيف يترجم لخطوات تنفيذية.
هل ترى أن الحوار يتركز فقط على قضايا داخلية أم يتسع لمختلف القضايا؟
توجد قضايا مفتوحة وملحة. سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستويات الهيمنة الخارجية. وقضايا حيوية مثل مياه النيل. وإن كنا نرى أن القضية الاقتصادية أكثر إلحاحا الآن ولا بد من بحث طرق لتدعيم الاقتصاد الإنتاجي والاهتمام بفكرة زيادة الإنتاجية. والعمل على تحفيز الصناعة الوطنية.
كيف ترد على من يقول إن فتح الحوار سيسمح بتسرب أفكار إخوانية خاصة أن هناك أحزابا تعاونت معهم سابقا؟
طبيعي أن السلطة يكون لها تخوفات. ويمكن أن تفكر بهذه الطريقة خاصة إذا كانت ممسكة بالأمور في يدها. فلا يوجد ما يحفزها أن تجلب لنفسها معارضة وتفتح الباب أمامها. لكن على الجانب على الآخر في دوائر الحكم في عهود مختلفة هناك حالة اسمها “حضور الشعب”. لا بد أن يكون الشعب حاضرا لأن أكبر ضمانة حقيقة لاستقرار الحكم هي الشعب وقناعته بالحفاظ على البلد واستقراره. وأكبر دليل على ذلك أن الشعب المصري بعد نكسة 67 خرج بشعور وطني في مظاهرات تلقائية ليعطي أمرا لعبدالناصر بالبقاء والاستمرار في المعركة. وكان أكبر حافز للقيادة السياسية في التماسك هو دعم الشعب. كذلك فإن من حمى مصر في 30 يونيو هو الشعب المصري وكذلك في 2011. فثورة يناير كانت ستتحول إلى كارثة لولا وعي الشعب المصري الذي تحرك بعفوية حفاظا على بلده.
مَا القوى التي تراها فاعلة للخروج بنتائج إيجابية من الحوار الوطني؟
الأحزاب الشرعية أو تحت التأسيس والنقابات والمنظمات الأهلية والإعلام والروابط والأندية، على المستوى النوعي أو الهياكل. أما بالنسبة للقوى السياسة أو الفكرية فيجب استبعاد تنظيمات العنف والإرهاب. بالتأكيد لا يمكن أن تشارك لأن وجودها سيضر بالحوار أولا وثانيا غير مقبول من تورط في الدم ورفع السلاح في وجه المصريين أن يسمح له بالمشاركة في حوار وطني. لأن هناك قاعدة أراها ضرورية: كل من تلوثت يده بفساد أو مارس استبدادا سياسيا أو استبدادا دينيا يستبعد.
وعلينا أن نحدد أولويات الحوار قبل بدئه. مع الأخذ في الاعتبار أن هناك ملفات مرتبطة ببعضها. مثلا لا يمكن أن نبعد ملف استقلال الصحافة وحريتها عن ملف الحريات وتطوير الحياة الحزبية عن قوانين الانتخابات. قضايانا كلها مترابطة إلى حد كبير ويجب طرحها معا في شكل متماسك. وأعتقد أنه لا بد من توافر حسن النوية لدى الجميع فيما يتعلق بالحريات كرفع الحجب عن مواقع محجوبة أو تحريك المياه كما حدث مع ملف سجناء الرأي.
هل فتح المجال العام يمكن أن يهز استقرار الوطن؟
سياسة التنفيس هي التي أطالت عمر نظام مبارك وليس العكس. فثورة يناير لم تتسرب من ثقوب أمنية. بل تسربت من تصدع الجدار السياسي لنظام مبارك. سواء تهميش أو أن السلطة شاخت. أو التوريث ولم يكن السبب أمنياً. وعلينا أن ندرك أن فكرة تفريغ الطاقات عامل مهم في تطويل عمر أي نظام حكم. لمنح الناس أمل في التغيير السلمي. لكن المشكلة أن المعادلة استمرت لمدة 30 سنة أيام مبارك. لذلك أرى الآن أن هناك فرصة في عمل مؤسسات حقيقية حتى لا يحدث انفجار نتيجة عوامل كثيرة ضاغطة. هو هذا الخطر. لا بد من قطع الطريق أمام الفقر والتهميش. “الناس مجهدة جدا”.
نحتاج إلى تقوية الأحزاب والمؤسسات الرسمية حتى تكون هناك فرصة لجذب الشباب وعدم تركهم فريسة للتيارات الإرهابية واحلول غير السملية.
هناك شخصيات محسوبة الآن على المعارضة تقلدت مناصب خلال السنوات الماضية ولم تحل أي مشكلة..
ليس بالضرورة أن صاحب الفكر يكون إداريا جيدا ولا السياسي يكون قائدا. لأن مهارات القيادة تختلف عن مهارات الإدارة. وبالتالي نحن نبحث عن تقديم أفكار. خاصة أننا لا نتحدث عن تشكيل حكومة ائتلافية. بل عن حوار ومشاركة وطرح بدائل.
توجد في مصر كفاءات في مجالات الصحة والتعليم يمكن أن تثري الحوار والأفكار في ملفات مختلفة.
للأسف نحن لم نتعلم من دروس من الماضي. فمثلا عند طرح الدولة في منتصف التسعينيات من القرن العشرين مشروع توشكى. أحيط المشروع بدعاية ضخمة بأنه سينقل مصر لمكانة مرموقة باستزراع ملايين الأفدنة في الصحراء. كانت هناك وجهات نظر وقتها من الدكتور رشدي سعيد بأن المشروع “مش وقته”. وبعد صرف المليارات توقف المشروع لعشرات السنين دون فائدة. ويمكن حاليا نتيجة تغيير أدوات الإنتاج وتكنولوجيا رفع المياه يتم الاستفادة منه. والسؤال هنا: هل تم الاستماع لآراء خبراء؟ كنا وفرنا حينها المليارات التي صرفت هباء.
هل ترى أن هناك فرصة وأملا لنجاح الحوار الوطني؟
أعتقد أن وجود مبادرة من الرئيس السيسي بطرح فكرة الحوار الوطني أمر إيجابي. وأتمنى نجاح الحوار بشرط أن يكون حوارا حقيقيا شفافاً وفي العلن. وأن يتم مناقشة قضايا حقيقية تهم الناس وتمثل تحديات للوطن. وهذا لن يحدث إلا بالاعتراف بحق التيارات المدنية في الوجود الشرعي والاستفادة من أفكارها. أما فيما يخص السلطة فلا أستطيع أن أتحدث بلسان مؤسسات الحكم. باعتبارها تمثل الطرف الثاني في الحوار الوطني وهي التي ستحدد مدى تجاوبها مع الحوار ودرجة نحاجه.
ويبقى لنا أن نعترف بأن الحوار حالة صحية في حد ذاتها وحتى لو لم يتوفر السبيل للحوار بين السلطة والمعارضة يمكن أن نشجع حواراً آخر بين الأطراف المجتمعية والأحزاب. ويمكن أن نطرح حوارا حول تعظيم القدرات الكلية للاقتصاد وندعو الأحزاب القريبة من بعضها لتتحدث ونحقق أكبر مصلحة ممكننة للوطن.