يحلم المخرج المصري أمير رمسيس بالاشتباك مع جميع القضايا المسكوت عنها في أفلام تمس المجتمع، فمن تحدث عن التفرقة بين الصهاينة واليهود، اخترق الصمت الأسري عن وقائع التحرش الجنسي بالأطفال، وعلى هذا المنوال نستطيع أن نتكهن بمستقبل هذا الرجل النحيف القابع خلف نظارته.
قدم رمسيس 9 أفلام كمخرج، من بينهم “ورقة شفرة” و”كشف حساب” و”بتوقيت القاهرة” و”عن يهود مصر”، وآخرهم فيلمه “حظر تجول”، الذي شارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ42، بمسابقته الرسمية كعرض عالمي أول. اقتحم من خلاله عالم جديد من القضايا، وهي اغتصاب الأطفال، المعروف باسم البيدوفيليا. وهو الفيلم الذي حصلت من خلاله بطلة العمل إلهام شاهين على جائزة أفضل ممثلة في المهرجان، بعد غيابها سنوات عن ساحة السينما.
“مصر 360” أجرى حوارا مع أمير رمسيس للتعرف أكثر على تفاصيل هذا العمل، وتجربته مع مهرجان الجونة، واتهامات التطبيع، ومستقبل الصناعة:
-من أين أتت لديك فكرة حظر تجول؟
لمعت الفكرة برأسي مع عام 2017 من تراكم أخبار عن حوادث مشابهة لتلك الحادثة التي تم عرضها بالفيلم عن ظاهرة البيدوفيليا، وحالة الصمت العائلي التي صاحبت تلك القضايا كانت مستفزة بما يكفي بالنسبة لي، لأن أقوم بعرضها يوما ما على الشاشة.وسنحت لي الفرصة بالفعل من خلال فترة حظر التجول لكي تكون الأشخاص مضطرة لمواجهة بعضها البعض، وظهور الأشباح الخاصة بالشخصيات في مواجهة بعضهم البعض.
– ألم تخش من رد فعل الجمهور تجاهها؟
لا لم يكن لدي خوف من رد فعل الجمهور، لأن أرى أن هذا هاجس، ومن الضروري أن نثير أحيانًا صدمة عند الجهور في الموضوعات المسكوت عنها، حتى تظهر هذه القضايا على السطح.
الخوف من “حظر تجول” مشابه للبعض من تجربة فيلم “يهود مصر” الذي يعد تابوه يخشى الجميع الاقتراب منه، وبعد ذلك تم تداول الفكرة، وأن تفصل بين الديانة الصهيونية واليهودية، وبالتالي أنك كمخرج تقوم بفتح موضوعات مسكوت عنها، وينتج عن الحوار المجتمعي شيئ إيجابي فهذا أمر عظيم.
– على أي أساس اخترت الفنانين للأدوار؟
أفكر في فريق العمل مع انتهاء مرحلة الكتابة، وبالطبع كنت أتمنى العمل مع إلهام شاهين منذ فترة كبيرة فهي ممثلة جريئة ولا يوجد لديها أي نوع من الهواجس، فهي دائمًا ما تنتصر للدور الذي تقدمه، بغض النظر عن العوامل التي تشغل فنانين آخرين مثل اللوك والشكل، والملابس، وأمينة خليل بعد التعاون الذي قمنا به في فيلم “خانة اليك”، كنت أود إعادة هذه التجربة وخاصة أنه يتم حصرها في نوع معين من الأدوار، فهي لديها القدرة على لعب أدوار مختلفة وأكثر تعقيدًا عما هي محصورة به.
وكامل الباشا كان من الشخصيات المبهرة بالنسبة لي في فيلم “قضية 23″، ثم تعرفنا عن قرب في مهرجان الجونة بعد مشاركته كعضو لجنة تحكيم، وشعرت بعد عدد من للقاءات أنه قريب جدًا من شخصي يحيى كما شاهدناها في الفيلم.
اقرأ أيضا:
حوار| إلهام شاهين: “حظر تجول” أثر عليّ شخصيًا.. والجيل الحالي من الفنانات مظلوم
– ما هي أصعب المشاهد بالنسبة لك كتابة وإخراجًا؟
المشاهد الصعبة كانت كثيرة، سواء تمثيلًا، وهو اللقاء الأول بين بين الشخصيات، والذي أصريت أن يكون أمام الكاميرا للمرة الأولى، وكنت أتهرب من أن تلتقي كل من إلهام شاهين وأمينة خليل خارج التصوير حتى لا يعتادا على بعضهما البعض.
كما أن الماستر سين هو مشهد النهاية، فكان هناك تدرج كبير في الشخصيات من الصعب أن نصل إليه مع الممثلين، وأيضًا تنفيذ مشاهد حظر التجول في الشارع لأن زمن الفيلم هو عام 2013، كان صعب على المستوى التقني بأن تقوم بإغلاق شوارع بالكامل.
على مستوى الكتابة أعتقد أن كل المشاهد كانت صعبة لأننا نتحدث عن شخصيات معقدة جدًا وتركيبات معقدة أيضًا، وكان الأمر كان محتاجة دراسة كبيرة للشخصيات التي تعرضت لتلك الحوادث، وبناء تصاعد الشخصيات وتطورها في يوم واحد واختلاف كامل في المشاعر الخاصة بالشخصيات، وكان أيضًا مشهد النهاية والوصول لتلك النقطة صعب بالوصول للتألف بين الشخصيات بهذا الشكل.
هل منعك منصبك كمدير فني من المشاركة بالفيلم في مهرجان الجونة؟
كان من المستحيل أن أقدم الفيلم في مهرجان الجونة بأي شكل من الأشكال، فأنا مدير فني للمهرجان، وبالتالي لم أفكر ولو لحظة في ذلك حتى ولو على سبيل المزاح.
اقرأ أيضا:
الوجه الآخر لمهرجان الجونة.. فساتين في الإعلام وسينما ملهمة داخل الأسوار
– ما رأيك في الضجة التي أثيرت حولك بعد استضافة مهرجان الجونة جيرارد ديبارديو ؟
أرى أنا هذا الأمر زوبعة في فنجان، ولا أرى أن تكريمه به أي نوع من أنواع التطبيع، لأنه لم يخرج لنا أحد تصريحات سابقة له ضد حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ليس صهيوني وليس إسرائيلي، في النهاية هو ممثل لديه علامات في السينما العالمية، وأعماله الأخيرة بها دفاع عن الأقلية العربية.
وأرى أن هناك بعض البراجماتية في التعامل مع الأمر وأن هناك بعض الانتهازيين الذين استغلوا الموضوع، بسبب عدم دعوتهم للمهرجان، وهذا ابتزاز رفضنا أن نخضع له.
وما تعليقك على تفاعل السوشيال ميديا مع تصريحاتك ؟
هناك أناس على السوشيال ميديا كانت تكتب وهي لا تعرف الفرق بين جيرارد ديبارديو وغيره، وكان يتم التعامل معه على أنه مخرج وليس ممثل، وبالتالي في النهاية لا يمكن أن نستسلم لهذه السطحية.
– برأيك ما هي أبرز الاختلافات بين مهرجان الجونة والقاهرة؟
أرى أن كل منهما له خصوصيته، ولكن مهرجان القاهرة له خصوصيته لوجوده بالعاصمة وهذا يخدم عددا كبيرا من المهتمين بالسينما، أما تواجد مهرجان الجونة بمدينة الجونة يناسب إقامة مهرجانات كبيرة مثل بريلن وغيرها الذي يجعلك تشعر طعم المهرجان في المدينة بأكملها، وهذا يعطي له خصوصيته، ولكن في النهاية لكل مهرجان بريقه المختلف، وكلاهما يصبان في مصلحة صناعة السينما.
– لماذا تأخرت مشاركة الأفلام المصرية في منصات عالمية؟
هذا التأخر راجع إلى نظام الصناعة لدينا، القائم على دورة رأس مال سريعة جدًا، من بداية تصوير الفيلم حتى عرضه، دائمًا مرتبطين بتصوير فيلم جتى يتم عرضه بعدها بـ4 أشهر، وسلسلة صناعة الفيلم هي بالأصل لا تصلح لنوعية الأفلام التي ترغب في التوزيع العالمي أو الانتشار الدولي.
وفي النهاية يتم التعامل مع الفيلم على أنه مًنتج لابد من الانتهاء منه حتى يتم عرضه دون النظر إلى العالم الخارجي.
-ما الذي ينقص صناعة السينما حاليًا؟
صعب جدًا الحديث فيما ينقص السينما، لأن أي شخص يرى المشهد سيجد أننا في مرحلة تغيير للسينما في العالم بالكامل، وهذا مع التغييرات التي فرضها الوباء العالمي، والتي سنظل نعاني من تبعاته، وبالتالي لا يمكننا الحديث عما ينقص صناعة السينما، فلابد أن ننتظر لنرى التغيرات التي تحدث ونقوم بالبناء عليها.
-هل تتفق المنصات الرقمية في طريقها للقضاء على السينما؟
لا بالعكس، فأنا أرى أنها تدعم صناعة السينما، كما أنها تدعم وجود أفلام يصعب تواجدها في الظروف السينمائية الحالية، وطوال الوقت نظن أنا السينما ستُقتل من خلال المنصات، وهذا خاطئ كما كنا نظن أن التليفزيون أنهي سينهي السينما وهذا لم يحدث، كما أنه من الصعب وصول أفلام إلى المنصات بشكل مباشر دون المرور بدور العرض، وأيضًا ستظل السينما هي طقس محبب لدى الجمهور فمع ما مرينا به من ظروف خلال العام الحالي إلا أنه مازال هناك شغف من الجمهور تجاه دور العرض والسينما.
– هل ستتبنى القصص الشائكة خلال أفلامك المقبلة كما قدمت البيدوفيليا؟
ليس لدي تعمد للتعامل مع القضايا الشائكة، لكن ما يجذبني هي القضايا المجتمعية المسكوت عنها، فأنا عادة ما أقوم بإعداد عمل سيكون بناء على ألم وهواجس شخصية تجاه قضية، وهذا يفترض أنني سأذهب إلى قضايا شائكة.
– حدثنا عن مشروعاتك السينمائية الجديدة؟
مشروعي القادم سيكون فيلم كوميدي مع المؤلف هيثم دبور، اسمه “ما تخفيه سميرة العايقة”، وهو تجربة جديدة بالنسي لي.
– في النهاية..ما هي خططك لتطوير مهرجان الجونة؟
أظن الدورة السابقة من المهرجان كنا ناجحين في أن نكون أكثر توسعًا في اختيار الأفلام، وحلمي أن يكون المهرجان أن يستوعب عدد أكبر من الصناع وأجيال أكثر حداثة، ونستطيع أن نوفر لهم فرص أكبر بأن يخطوا خطوات أكثر سرعة نحو الاحتراف، وأن يكون هناك اهتمام أكبر بصناع الأفلام القصيرة، والتوسع في عدد الأفلام.
وأعتقد أننا اتخذنا الكثير من هذه الخطوات، ولكن أطمح بالتوسع والامتداد أكثر وأكثر في الدورة الخامسة.