من درجات الحرارة المتطرفة إلى الفيضانات وحرائق الغابات والأعاصير. كان العام المنصرم عاما للظروف الجوية المتطرفة بامتياز، فهل لديك شك في أن تغير المناخ يحدث الآن، هنا، وفي كل مكان.
أدي تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري إلى زيادة حدة ووتيرة الظواهر المناخية المتطرفة، فضربت موجات الحرارة والجفاف والحرائق والفيضانات مناطق مختلفة من العالم. من الولايات المتحدة الأمريكية إلى البرازيل والأرجنتين، إلى روسيا والهند والفلبين. وألمانيا وبلجيكا، والجزائر وتونس واليونان وتركيا وغيرها.
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في مؤتمر الأمم المتحدة السادس والعشرين للمناخ، والذي انعقد في جلاسجو باسكتلندا في أكتوبر-نوفمبر الماضيين. أن الناس سوف يشعرون قريبا بتأثيرات تغير المناخ في ساحات منازلهم الخلفية، وأكد أن تغير المناخ يتسبب في خسائر بمليارات الدولارات، حوالي 100 مليار دولار، في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. وقال جيسون سميردون، عالم المناخ في مرصد لامونت دوهرتي للأرض التابع لجامعة كولومبيا الامريكية، لشبكة “إيه بي سي نيوز”. إن الأضرار التي لحقت بنصف الكرة الشمالي هذا العام وحده كانت “مدمرة”. وفيما يلي، بعض أكبر الحوادث والظواهر الجوية المتطرفة التي حدثت في العام المنقضي.
فيضانات قاتلة
تسببت الفيضانات المدمرة في مقتل الآلاف من الأشخاص في جميع أنحاء العالم في عام 2021. كانت غالبية الفيضانات ناتجة عن سقوط الأمطار بمعدلات قياسية. في الشهر الماضي وبعد فيضانات مدمرة أعلنت حالة الطواريء في ولاية واشنطون. وذكرت صحيفة بيلينجهام هيرالد المحلية أن الأضرار التي لحقت بالمنازل والبنية التحتية العامة ومراكز الأعمال في المنطقة قدرت بما لا يقل عن 50 مليون دولار.
وغمرت عاصفة شرسة في منطقة ديترويت في 24 يوليو الماضي الطريق السريع رقم 94، وتسببت في انقطاع التيار الكهربائي عن مئات الآلاف من الأشخاص. وتعرضت الأشجار والمنازل والشركات لأضرار جسيمة بسبب العاصفة. وفي يوليو الماضي، لقي مئات الأشخاص مصرعهم أو فقدوا منازلهم في دول غرب أوروبا بعد أيام من هطول كميات قياسية من الأمطار أدت إلى زيادة مستوى مياه الأنهار. وتسببت في فيضانات خطيرة في ألمانيا وبلجيكا والأجزاء الجنوبية من هولندا وسويسرا.
ظاهرة لم تحدث
في منتصف يوليو الماضي، قُتل العشرات ونزح مئات الآلاف في مقاطعة “هينان” الصينية بعد هطول أمطار غزيرة لمدة ثلاثة أيام، تعادل كمية الأمطار التي كانت تسقط علي المنطقة في عام كامل. وهي ظاهرة لم تحدث في القرون العشرة الأخيرة. أثر الفيضان على حوالي 972 ألف هكتار (2.4 مليون فدان) من الأراضي الزراعية، ولقى ما لا يقل عن 71 شخصًا مصرعهم، واضطر 1.4 مليون شخص لمغادرة مساكنهم. ومع أن الكثير من المحاصيل في المنطقة كان قد تم حصادها قبل الفيضان، إلا أن معالجة وتخزين ونقل وتصنيع الحبوب الصيفية، تأثرت بالفيضانات. وفي أواخر يوليو. شهدت أجزاء من الهند أمطارا بمعدل 594 ملم في أيام قليلة، وفي الفلبين، غمرت الأمطار الغزيرة العاصمة مانيلا وعدد من المقاطعات النائية، ما تسبب في تلف المحاصيل وعمليات إجلاء جماعية واسعة للسكان.
وقال روبرت ماسون، منسق الأحداث الهيدرولوجية المتطرفة ومدير نهر ديلاوير في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، لشبكة إيه بي سي نيوز. أن هذه الفيضانات الكبيرة كانت تحدث بمعدل مرة واحدة كل قرن”، ما يعني أن معدل تكرار الفيضانات الكبيرة آخذ في التغير، وأنه من الممكن حدوث فيضانات كبيرة في سنوات متتالية. لذلك، تبحث هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في طرق مختلفة للتنبؤ بالفيضانات الكبرى المتتالية.
اشتعال حرائق الغابات
في أغسطس الماضي، انتشرت حرائق الغابات في غابات سيبيريا التي اجتاحها الجفاف، وكان الحدث أكبر من جميع الحرائق التي اندلعت هذا الصيف في جميع أنحاء العالم مجتمعة. وفي الوقت نفسه. دمر حريق غابات كبير غابة من أشجار الصنوبر وأضرم النار في منازل بالقرب من العاصمة اليونانية، أثينا. في أعقاب أسوأ موجة حرارة ضربت البلاد وتركت الغابات مليئة بالوقود الجاف المهيأ للاشتعال. وفي تركيا. حيث التهمت حرائق الغابات آلاف الأفدنة، وقتلت الآلاف من رؤوس الماشية. تم تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة، وكذلك حدث في أيرلندا الشمالية وشمال اليابان.
كما استمرت الحرائق الخطيرة في غرب الولايات المتحدة. وفي عدة نقاط خلال الصيف، كان ما لا يقل عن 50 حريقاً مشتعلاً دون اطفاء، وواصلت الحرائق في كاليفورنيا تحطيم الأرقام القياسية. ودمر حريق ديكسي، وهو أكبر حريق في تاريخ ولاية كاليفورنيا، والذي اجتاح ما يقرب من مليون فدان، مدينة جرينفيل. ودمر أكثر من 100 منزلا، ولم يترك شيئا في حي وسط المدينة بمنأى عن ألسنة اللهب.
جفاف شديد
لا يقتصر أثر الجفاف، خصوصا موجات الجفاف الشديدة والطويلة التي تسمى أحيانا بالجفاف الكبير. على تهيئة الظروف لاندلاع وتفاقم حرائق الغابات. ولكنها أيضا تدمر المجتمعات وتهدد سبل العيش للملايين. لعقود من الزمان، كان العلماء يتوقعون زيادة حدة الجفاف خاصة في غرب الولايات المتحدة. ضرب الجفاف الكبير مساحات كبيرة في المنطقة. وأدى إلى استنزاف خزانات المياه، ووصولها إلى أدنى المستويات في التاريخ، ما يهدد الزراعة والصناعات الزراعية.
وبلغت مستويات المياه في بحيرة ميد وبحيرة باول، أكبر خزانين في البلاد، مستويات منخفضة تنذر بالخطر. وتم الإعلان لأول مرة عن نقص المياه في بحيرة ميد. كان هذا العام هو الأكثر جفافاً في ولاية كاليفورنيا منذ قرن، وقد يواجه غرب الولايات المتحدة أزمة مياه حادة إذا استمرت الاتجاهات الحالية للجفاف.
يقول العلماء إن الجفاف الكبير مرتبط ارتباطًا مباشرًا بتغير المناخ، وأنه لن يكون هناك تحسن كبير في القرن المقبل. حتى لو زاد هطول الأمطار فجأة. وقال دانييل سوان، عالم المناخ في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، لشبكة إيه بي سي نيوز. إن ارتفاع درجات الحرارة مسؤول عن نصف أسباب الجفاف الكبير الحادث حاليا، وأضاف أنه يمكن القول أنه بدون الاحترار الحالي، لن يكون الجفاف شديدا ولا ممتدا.
درجات الحرارة القصوى
الاحترار العالمي لا يعني أن تكون الحرارة دائما مرتفعة، بل تتأرجح درجات الحرارة بين أقصى درجات الحرارة وأدناها. في 22 يوليو الماضي، سجلت “النويصيب” في محافظة الأحمدي بالكويت. درجات حرارة بلغت 53.2 درجة مئوية. وسجلت بعض المناطق في العراق وإيران المجاورتين درجات حرارة قريبة. وتعرضت موسكو في يونيو الماضي إلى موجة غير مسبوقة من الحرارة. حيث ارتفعت درجات الحرارة إلى 34 درجة مئوية، وهي درجة حرارة قياسية لم تحدث خلال 120 عاما.
وسجلت درجة الحرارة في فيرخويانسك الروسية التابعة لجمهورية ياقوتيا، رقما قياسيا في يونيو 2020. حيث سجلت درجة الحرارة في المدينة الواقعة في القطب الشمالي 38 درجة مئوية، وهي درجة حرارة غير مسبوقة في التاريخ في المنطقة. وجدير بالذكر، أن درجة الحرارة في هذه المنطقة اليوم، الموافق 29 ديسمبر 2021، هي 48 تحت الصفر. فهل يمكن تصور الحياة بين هاتين الدرجتين المتطرفتين: 48 تحت الصفر شتاء، و 38 فوق الصفر صيفا؟!
وضربت موجة من الطقس القطبي شديد البرودة ولاية تكساس والولايات المجاورة في فبراير الماضي. وكانت هذه الموجة القارسة هي الحدث الشتوي الأكثر تكلفة في السنوات العشرة الماضية في الولايات المتحدة الأمريكية. ففي أعقاب العواصف الشتوية التي جلبت الثلوج ودرجات الحرارة المتجمدة، انقطعت الكهرباء عن أكثر من 10 ملايين مواطن في الولاية لأكثر من أسبوع. ما أدى إلى قتل أكثر من 179 شخصا وتسبب في أضرار لا تقل عن 20 مليار دولار. وفي فبراير أيضًا. اجتاح هواء قطبي بارد منطقة شيكاجو بدرجات حرارة تراوحت بين :-1.11 إلى 10 درجات مئوية. ووصلت درجة الحرارة في بعض المناطق إلى -3.89 درجة مئوية لأكثر من أسبوعين.
موجات حرارة قاتلة
في المقابل، كانت منطقة شمال غرب المحيط الهادي، المعروفة بدرجات الحرارة الباردة والرطبة. تعاني خلال الصيف الفائت من موجات حرارة متعددة قاتلة. وأدت موجات الحر التاريخية في المنطقة إلى ارتفاع درجات الحرارة في يونيو إلى ما يزيد على 37.78 درجة مئوية. في مدن كبرى مثل سياتل وبورتلاند، وبلغت درجات الحرارة 46.67 درجة مئوية في بعض الأماكن لأيام متتالية. وبعد شهر واحد. ضربت موجة حر أخرى المنطقة واندلعت العشرات من حرائق الغابات. وقال لاري أونيل، عالم المناخ في ولاية أوريجون. أنه في غياب وسائل وأجهزة تكييف الهواء، من المتوقع أن نشهد الكثير من الأمراض المرتبطة بالحرارة والتوتر والاجهاد الحراري. وقال، إن موجة الحر أدت أيضا إلى تفاقم الجفاف وانخفاض كميات المياه الضرورية للزراعة والحفاظ على التنوع البيولوجي المحلي، مضيفا، أن الكثير من النباتات في المنطقة “تعاني من الجفاف”.
عواصف قوية
سجل عدد العواصف في العالم رقما قياسيا غير مسبوق في عام 2020، لكن عاصفة واحدة فقط في العام المنقضي. تحولت إلى إعصار وأدت إلى خسائر قياسية في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب إعصار “إيدا”. الذي يعتبره العلماء علامة رئيسية على تغير المناخ. انطلقت العاصفة الخطيرة من البحر الكاريبي، قبل أن تصل إلى اليابسة في لويزيانا في 29 أغسطس الماضي. وزادت شدتها بقوة بلغت 55 ميلاً في الساعة، ما يجعلها عاصفة من الفئة الرابعة. وبلغت أقصى سرعة للرياح 150 ميلا في الساعة.
لم تتوقف الأضرار بعد أيام من مغادرة الاعصار، حيث أدى اصطدام نظام العاصفة بجبهة هوائية باردة إلى هطول أمطار غزيرة. تسببت في سيول مدمرة في منطقة الشمال الشرقي. وتم الإبلاغ عن أمطار غزيرة بمعدل 5 بوصات في الساعة على المناطق الحضرية في نيويورك ونيوجيرسي. وتحولت الطرق في بعض أجزاء نيويورك إلى أنهار. ما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص الذين يعيشون في الطوابق السفلية. وقُتل حوالي 100 شخص في الولايات المتحدة نتيجة للعاصفة المدمرة.
ويقول خبراء الأرصاد الجوية إن الإعصار الذي ضرب لويزيانا بقوة لمدة تسع ساعات لم يحدث من قبل. وعلى الرغم من أنهم يعتقدون أنه من غير المرجح أن يؤدي الاحتباس الحراري إلى زيادة في العدد الإجمالي للأعاصير. لكنهم يعتقدون أن العواصف ستصبح أقوى وأكثر شدة بمرور الوقت وتفاقم تغير المناخ.
وقال أوسكار سكوفيلد، أستاذ علم بيولوجيا المحيطات في جامعة روتجرز، إن العاصفة التي كان يمكن أن تحدث مرة واحدة كل 500 عام، سوف يتغير معدل حدوثها مع تفاقم تغير المناخ. ومع ارتفاع مستوي المياه في المحيطات واحترارها، فإن هذه العاصفة قد تحدث بمعدل مرة واحدة كل 100 عام.
حرارة القطب الشمالي ترتفع بمعدل أسرع بمرتين من بقية العالم
الانخفاض الكبير في مساحة الجليد البحري في القطب الشمالي منذ عام 1979 يعد أحد أكثر المؤشرات أهمية على تغير المناخ. وفقًا لبطاقة تقرير القطب الشمالي، الصادرة عن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في وقت سابق من هذا الشهر. كانت الفترة بين أكتوبر وديسمبر 2020 أكثر خريف دفئا في منطقة القطب الشمالي على الإطلاق منذ عام 1900. بالإضافة إلى ذلك، كان متوسط درجة حرارة الهواء السطحي فوق القطب الشمالي من أكتوبر 2020 حتى سبتمبر 2021 هو سابع أعلى درجة حرارة مسجلة، وهذه هي السنة الثامنة على التوالي، منذ 2014. التي كانت فيها درجات حرارة الهواء أعلى من المتوسط طويل الأجل، وفقًا للتقرير. و يحدث الاحترار بسرعة كبيرة، لدرجة أن المحيط المتجمد الشمالي، يزداد حموضة الآن بشكل أسرع من المحيط العالمي.
ويؤدي ارتفاع درجة الحرارة في القطب الشمالي إلى زيادة في معدل ذوبان الجليد، الذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع مستوى المياه في المحيطات، ويشير التقرير. إلى أن صفيحة جرينلاند الجليدية، وهي أكبر العوامل المؤثرة في ارتفاع مستوى سطح البحر في العالم، قد شهدت في يوليو وأغسطس الماضيين ثلاث حلقات من ذوبان الجليد. ويقول الخبراء إن ارتفاع مستوى سطح البحر سيكون أحد أكثر العواقب الكارثية للاحترار العالمي، لأنه يؤدي إلى تآكل السواحل، وبالتالي، سيؤدي إلى هجرة السكان الذين يعيشون بالقرب من المحيط. وقال سكوفيلد، إنه حتى لو بدا الارتفاع في مستوى سطح البحر ضئيلا، حوالي 8 بوصات منذ بداية الثورة الصناعية، بحسب اتحاد العلماء المهتمين (UCS). فإن البنية التحتية للمناطق الساحلية والقريبة من المحيط لم يتم تصميمها لمواجهة مثل هذه المستويات من ارتفاع مستوى المياه.
غازات الاحتباس الحراري
هناك حاجة إلى نهج متعدد المستويات -من السياسة إلى الصناعة إلى قطاع التمويل- للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. ولخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يحتاج العالم إلى الابتعاد عن الفحم والنفط والغاز الطبيعي، والتحول إلى مصادر نظيفة للطاقة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كانت قضية تغير المناخ إحدى النقاط الرئيسية في حملة جو بايدن الانتخابية للرئاسة في عام 2020، وبعد انتخابه رئيسا أعلن يوم تنصيبه عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس. ويحتل تغير المناخ موقعا هاما في حزمة الإنفاق التي أقرها الرئيس لمشروعات البنية التحتية البالغة 1700 مليار دولار، تم تخصيص 555 مليار منها، بنسبة 32%. للاستثمار في المناخ والطاقة النظيفة. وتخطط شركات صناعة السيارات في العالم لزيادة إنتاج واستخدام السيارات الكهربية.
أعلنت الولايات المتحدة في أغسطس الماضي أنها يجب أن تتحرك بسرعة للفوز بنصيب في مستقبل صناعة السيارات في العالم. وأعلن الرئيس الأمريكي إلتزام صناعة السيارات بزيادة الأميال المقطوعة بالغاز وخفض التلوث بالعوادم من الآن وحتى عام 2026. وتتوقع شركة “فورد” لصناعة السيارات أنه بحلول العام 2030 سوف يصبح 40٪ من إنتاجها من المبيعات الكهربائية بالكامل. بينما تهدف شركة “جنرال موتورز” إلى بيع سيارات الركاب الكهربائية فقط بحلول عام 2035، كما تعهدت شركة ستيلانتس”- المعروفة سابقا باسم “فيات كرايسلر”- بأن أكثر من 40% من مبيعاتها ستكون من السيارات الكهربائية بحلول عام 2030.