يواجه المزارعون المصريون بالصعيد أزمة في مواجهة دودة الحشد التي ضربت زراعاتهم في موعد نشاطها بموسم الخريف. والتي يصفها البعض بـ“العدو الأكبر” للفلاح، فالواحدة منها تبيض ألفي بيضة. وتفقس بعد ثلاثة أيام، ويمكنها تناول ما يزيد على وزنها في الليلة الواحدة.
تزداد مخاطر تلك الحشرات مع قدرتها الكبيرة على التنقل في طور الفراشات فالواحدة منها في طورها الكامل يمكنها قطع مسافة ألف كيلو متر في الليلة الواحدة. ما يعني أن تواجدها في مكان يمثل خطرًا على باقي المناطق بمحيطها.
ضربت الدودة محاصيل محافظة سوهاج، وهددت نحو 6 آلاف فدان، وعجز المزارعون عن مواجهتها بالطرق التقليدية للمبيدات الحشرية. ما عرض محاصيلهم لخسائر كبيرة خاصة الذرة بأنواعها والخضروات الورقية تحديدًا.
لم يعرف الفلاحون طرق مواجهة دودة الحشد والاختلافات بينها وبين أنواع الحشرات الأخرى التي تضرب محاصيلهم. خاصة أنها دخلت مصر منذ عامين فقط قادمة من السودان الذي تعرض لأسراب قادمة من الجنوب.
يربط البعض دخول تلك الحشرات، أفريقيا، بالتغير المناخي. فموطنها الأصلي كان الأمريكتين التي استقرت فيهما قرابة القرنين معتمدة على سلوك الهجرة من المناطق الباردة إلى الحارة باستمرار. قبل أن تدخل أفريقيا وتنتشر فيها بوتيرة سريعة، ضاربة 42 دولة في تلك الفترة الزمنية القصيرة.
يقول محمد درديري، مزارع من سوهاج، إن الحشرات ضربت محصوله بقوة وأتت على ثلاثة أرباعه بعدما التهمت قلب النباتات في المنطقة المسؤولة عن النمو ما يتسبب في جفاف النباتات.
يضيف دريري أن الفلاحين اعتمدوا على نصائح أصحاب مواتير رش المبيدات في اختيار أنواعها وكمياتها في ظل غياب دور الجمعيات الزراعية في التوعية. وعدم وجود مهندسين زراعيين يساعدونهم في المواجهة.
أخطار دودة الحشد والأمراض الطارئة
تمتلك وزارة الزراعة جهازًا لمكافحة أخطار الحشرة والأمراض الطارئة التي يمكن أن تصيب المحاصيل. بجانب إدارة كاملة لمكافحة الآفات بالوزارة تتلقى بلاغات من الجمعيات الزراعية والإدارات. والتي تحدثت جميعها عن أن مخاطر الدودة كانت محدودة وأن الفلاحين خلطوا بينها وبين آفات أخرى.
رصدت وزارة الزراعة تضرر ثلاثة محافظات فقط هي أسوان والأقصر وقنا بتلك الحشرات قبل أن ينتقل التأثير العام الحالي لسوهاج. وجميعها محافظات مرتفعة الحرارة تتماشي مع طبيعتها، كحشرة تعيش بالمناطق الاستوائية.
بحسب لجنة المبيدات بوزارة الزراعة، فإن مراحل مواجهة “دودة الحشد” تعتمد على إيقاف زيادة الآفة ومقاومة العائل النباتي. من أجل تحجيم تأثيرها الذي يمتد إلى 70% من المحصول الذي تهاجمه.
تقدر اللجنة التنسيقية للصحة النباتية نسب الإصابة في مصر بنحو 7.5% من المحاصيل، لكن المشكلة في تشابه تلك الدودة مع غيرها من الأنواع الأخرى. وصعوبة التفرقة بينهما التي لا تتعدى وجود 4 دوائر بيضاء في حشرة الحشد تميزها عن الآفات الأخرى.
ما يزيد مشكلات الفلاحين هي اعتماد بعضهم في سداد متأخراته (التقاوي والمبيدات والأسمدة)، أو تلبية احتياجاته على عائد بيع المحصول النهائي الذي هاجمته الحشرات. وأصبح في موقف مالي صعب خاصة مع قدوم الأعباء الموسمية للعام الدراسي الجديد.
مخصصات مالية
طالب أحمد علي، مزارع من سوهاج، البنك الزراعي (التنمية والائتمان سابقًا). بأن يوفر مخصصات مالية أو يسهل إجراءات الاقتراض على المحصول الجديد ما يساعد الفلاحين المضارين من الوفاء بالتزاماتهم.
تتشابه دعوات المزارعين مع مطالب خبراء بتأسيس “لجنة أزمات” بوزارة الزراعة تقوم بدورها في تعويض ودعم الفلاحين حال الأزمات الطارئة. كهجوم حشري جديدة أو حدوث فيضانات أو سيول أو موجات حرارة غير طبيعية تضر بالمحاصيل.
تقول منظمة “الفاو” إن دعم الادارة المستدامة والايكولوجية لدودة الحشد الخريفية من طرف صغار المزارعين أمرًا حاسمًا لحماية سبل كسب عيشهم والبيئة. بجانب تدريب المزارعين والعمل على إستراتيجة إدارة دودة الحشد الخريفية بطريقة مستدامة.
استحدثت “الفاو” في أفريقيا ما يسمى بـ”مدارس المزارعين الحقلية” التي تقدم منهجًا تربويا مكثفا تدعمه المنظمة ومنظمات أخرى عبر العالم. ما يسمح للمزارعين بالتعلم واختبار وتبادل المعارف، ويتم استعمالها حاليًا بأكثر من 90 دولة وبمجال واسع من المجالات لمدة تزيد عن ثلاثة عقود من بدايتها.
يقول المزارع السوهاجي إن وزارة الزراعة كان يجب عليها الترويج لدودة الحشد والتوعية بها عبر حملات إعلانية تصل لجميع المزارعين. بدلاً من الاعتماد على الجمعيات الزراعية التي لا تقوم بدورها منذ عقود واستحداث برنامج تليفزيوني مثل سر الأرض الذي كان نافذة معلوماتية للمزارعين.
وفق قطاع الخدمات والمتابعة بوزارة الزراعة فإن المحاصيل التي هاجمتها الحشرات في سوهاج بلغت 6 آلاف فدان. لكنها أكدت بالوقت ذاته أن لجانا مكثفة بدأت عملها -قبل الموسم- بطرق مواجهة الآفات والحشرات.
مبادرة عالميةلمكافحة دودة الحشد
أطلقت منظمة الأغذية والزراعة قبل عام ونصف مبادرة عالمية لمكافحة دودة الحشد الخريفية” بقيمة 500 مليون دولار كرد فعل عاجل على انتشارها السريع في إستراتيجية تمتد لثلاث سنوات. تتضمن تدابير جذرية ومباشرة ومنسقة لتعزيز قدرات الوقاية ومكافحة الآفات المستدامة على المستوى العالمي.
يقول حسين عبدالرحمن أبوصدام، نقيب عام الفلاحين، إن تلك الدودة يطلق عليها “الحشرة الجياشة” ودخلت مصر للمرة الأولى. مايو 2019 بصعيد مصر بدورة حياة طويلة تمتد نحو شهر في الصيف وثلاثة أشهر في الخريف. ويمكنها مهاجمة نحو 80 نوعًا من المحاصيل الزراعية في مصر بينها زراعات استراتيجية وفاكهة وخضروات.
أوضح أن تلك الحشرات تسافر في تجمعات كبيرة ولديها قدرات عالية على التأقلم مع البيئة. مؤكدًا أن من أفضل الطرق لمواجهتها هي الرش بالطائرات لأنه لا يمكن جمعها بالطرق التقليدية لنشاطها في الليل بداية من غروب الشمس. مشددًا على ضرورة قيام وزارة الزراعة بتحركات سريعة لمواجهة تلك الحشرة التي لا تقل عن وباء كورونا.
لا يمكن الاعتماد على المقاومة البيولوجية في مواجهة “الحشد” لعدم وجود أعداء طبيعيين لها في أفريقيا. لكن يمكن الاستفادة من تجربة الأمريكتين في توليد طفيليات يمكنها مهاجمة بيض الحشرات، وبالتالي تقليل معدلات تكاثرها السريع.