تدفع اللا مساواة في توزيع الدخل والثروة، الدوائر المالية العالمية للبحث في كفاءة النظام الضريبي. كذلك العمل على إصلاحه. سعيًا لنزع فتيل أزمات اجتماعية، واقتصادية ضخمة.
وبالرغم من الاعتراضات الشعبية على مجموعة القوانين الأخيرة، المتعلقة بفرض مجموعة من الضرائب والرسوم. فإن مصر تعد من الدول التي تتسم بانخفاض العوائد الضريبية، لماذا؟
اقرأ أيضًا.. “توقيف الضرائب وتسهيل التمويل”..سياسات إنقاذ العالم من”فقر كورونا”
النظام الضريبي المصري
“الشيطان يكمن في التفاصيل”ربما تكون تلك المقولة الأدق التي تنطبق على الحالة المصرية. فبحسب تقارير البنك الدولي فإن نسبة الإيرادات الضريبية المحلية مقارنة بالدخل تبلغ 12.5% عام 2015. في حين يبلغ المتوسط العالمي 14.68% من العام نفسه.
ورغم انخفاض العائد الضريبي عن المعدل العالمي. إلا أننا الأقل أيضًا في العوائد نسبة للاقتصاديات الشبيهة. كما أن المعدل نفسه يميل للانخفاض، منذ مطلع الثمانينات. ومع ذلك يأن المواطن محدود الدخل، من منظومة الرسوم والضرائب فما تفسير ذلك؟.
أنواع الضرائب والرسوم
تشكل الإيرادات الضريبية، مصدر تمويل لا يمكن تجاهله، بهدف تغطية النفقات العامة، بالتقاطع مع احتياجات المواطنين. وفي ظل الاختلالات الاقتصادية، لدول العالم النامي تمثل هذه الموارد أمرًا أساسيًا.
وتنقسم الضرائب في مصر إلى “مباشرة “مثل ضريبة الدخل والعقارية، وهي عادة ما تكون وفق شرائح. و”غير المباشرة” وتتمثل في ضرائب القيمة المضافة على السلع والخدمات. والجمارك.
أما الضرائب، والرسوم فيختلفان على المستوى التشريعي. إذ يتم إقرار الضريبة عبر البرلمان، أما الرسوم فتتم عبر قرارات مؤسسية حكومية مباشرة.
سياسة إفقار الفقراء
وفق ورقة طرحها “مشروع سياسات بديلة” في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، لا تتوفر بيانات رسمية عن توزيع الثروة، في مصر، ويكاد يكون التقدير الوحيد المتوفر هو تقرير معهد أبحاث “كريديه سويس” حول توزيع الثروة في العالم، والذي يضع مصر من بين 12 دولة ذات “لا مساواة حادة جدًا”، فهي من بين أعلى تسع دول تنمو فيها اللا مساواة في الثروة بمعدل سريع للغاية.
بحسب الباحثة الاقتصادية سلمى حسين تفتقد النظام الضريبي لعدالة التوزيع. فبالرغم من انخفاض العائدات، إلا أن التركيز الأكبر فيها يعود إلى الضرائب غير المباشرة. والتي تصل في نسبتها إلى 50% من عائد الإيرادات الضريبية.
وتفسر هذه النسبة المرتفعة شكاوى محدودي الدخل. حيث تفتقد الضرائب غير المباشرة إلى تحري العدالة. فيما يتم فرضها على سلع يقوم بشرائها كافة المواطنين. بغض النظر عن التفاوت الاقتصادي فيما بينهم، ووفق الباحثة.
وبالرغم من الإعفاءات التي تسري أحيانًا على بعض السلع الغذائية، لاستهداف محدودي الدخل. إلا أن خدمات مثل الاتصالات، وهي بمثابة حاجة أساسية للتعليم، والصحة، زادت الضرائب عليها بنسبة 30%. الأمر نفسه ينطبق على الكثير من السلع والخدمات الأساسية.
الأسهل في الجمع والأصعب في التهرب
“ومع أن الضرائب أنواع، اختارت الحكومة أن تفرض الضريبة الأسهل في جمعها والأصعب في التهرب منها. بهدف استهداف خفض عجز الموازنة. في حين تجاهلت الضرائب المباشرة على الثروات، بشكل يعكس موازين القوى السياسية الحاكمة”.
وتابعت سلمى: “بدلَا من تشديد فرض الضرائب على الثروات، والممتلكات المتضخمة، بشكل تصاعدي، ووفق شرائح. تزيد وتيرة الإعفاءات الضريبية، الخاصة بشريحة رجال الأعمال. وهي الفئات الأعلى دخلَا من السكان بدعوى تشجيع الاستثمار”.
وضربت سلمى مثالَا على ذلك بالإعفاء الذي أقر خلال وباء “كورونا” على المباني الكبيرة والفخمة. التي تبنيها الشركات الاستثمارية على جزء زهيد من الأرض. فيما تعمل على “تسقيع” أغلب المساحة لبيعها لاحقًا بسعر أعلى.
الباحثة لفتت أيضًا إلى ضرورة فرض نظام ضريبي على الأرباح الرأسمالية بشكل عام، وفي البورصة خصوصَا. إذ تكون الضريبة مستحقة عن صافي الربح الناتج عن عمليات البيع، والشراء.
اقرأ أيضًا.. الفاتورة الإلكترونية .. سلاح “المالية” لإخراج الاقتصاد غير الرسمي من الجحر
التصرفات العقارية في الميزان
ردت سلمى على دعوات تشجيع الاستثمار بأن المنظومة الضريبية التصاعدية المباشرة، إجراء عالمي. تحفظ به الدول التوازن بين الإيرادات والإنفاق، دون الإخلال بميزان العدالة.
وحول الجدل الدائر إثر إقرار قانون التصرفات العقارية. قالت سلمى إن القانون يصب في الصالح العام، إلا أنه لا يجب أن يكون بأثر رجعي كما اتفق. ولكن يسري على العقود الجديدة، حتى لايتحمل المشتري عبء إضافي، لا ذنب فيه.
وقالت سلمى: “في وقت تتمتع فيه الكومباوندات بالبنية التحتية الحديثة المبنية بأموال دافعي الضرائب. يحظى سكانها بإعفاءات ومعدلات ضريبية منخفضة على دخولهم العليا. في غضون ذلك يعيش محدودي الدخل في ظروف اجتماعية أقل، ويتكفلون بالنسبة الأكبر من الرسوم”.
كذلك انتقدت الباحثة خلو القانون من أي ضرائب تخص المواريث، من منتصف التسعينيات. بعد أن تم الطعن على القانون القديم دستوريًا. ما جعل عودة إقراره في حكم المستحيل، في حين تطبق الضريبة نفسها على أغلب بلدان العالم حتى 60%.
واعتبرت الباحثة أن السياسات الحكومية الحالية تتعارض مع مصالح الأغلبية في مجتمع أغلبه فقراء. كذلك أصبحت المنظومة بشكلها الحالي ماكينة تصب في عدم المساواة. فالأغنياء يزدادون ثراء، فيما تزيد وتيرة الفقر.
معضلة تاريخية
الباحث في مركز كارنيجي للدراسات السياسية عمرو عدلي يلفت إلى ضرورة رفع عائدات الضرائب في ظل عجز الموازنة العامة للدولة بقدر يصل إلى 10%، من إجمالي الناتج المحلي، والاعتماد على الدين العام. في حين التزمت الحكومة المصرية إزاء صندوق النقد الدولي بتخفيض هذا العجز لما دون العشرة في المئة، عبر مجموعة من الإجراءات تتضمن اصلاحات ضريبية.
وذّكر الباحث أن تحصيل الضرائب المباشرة من أصحاب الدخول والثروات، معضلة تاريخية تمتد إلى الحقبة الناصرية، حتى مع اختلاف الأنظمة الاقتصادية المتبعة، إذ ظل التصاعد في الضرائب على الدخل والملكية نظريا منذ عام ١٩٦١.
فيما تلجأ الدولة إلى الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات، والتي يدفعها في نهاية المطاف المستهلك النهائي، كضريبة المبيعات والقيمة المضافة والجمارك، والتي في طبيعتها لا تتحرى العدالة الاجتماعية، فتعتبر في مجملها “ضرائب رجعية”، ووفق عدلي.
اقرأ أيضًا.. “ضريبة الثروة” ترعب الأثرياء.. هل تصلُح في مصر ؟
مادة 38 من الدستور..
النظام الضريبي وغيره من التكاليف العامة تهدف إلى تنمية موارد الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، كما تلتزم الدولة بالارتقاء بالنظام الضريبي، وتبنى النظم الحديثة التي تحقق الكفاءة واليسر والاحكام فى تحصيل الضرائب.
ويحدد القانون طرق وأدوات تحصيل الضرائب، والرسوم، وأي متحصلات سيادية أخرى، وما يودع منها في الخزانة العامة للدولة. وأداء الضرائب واجب، والتهرب الضريبى جريمة.
عواقب وأرقام
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي إلهامي الميرغني ارتفاع معدلات الفقر في مصر من 26% في 2015 إلى 32% في 2017/2018. كما يلجأ محدودو الدخل إلى تقليل مستوى الاستهلاك في مواجهة ارتفاع أسعار السلع والخدمات. بحسب ما أثبتته دراسات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن تأثيرات “كورونا”.
وتساهم تلك الضغوط الضرائبية في تراجع الطلب المحلي، وتزيد من معدلات التضخم، المرتفعة بالأساس. خاصة في ظل ركود اقتصادي تمر به البلاد.
وفي حين أن النظام الضريبي هو المسئول بشكل أساسي عن إعادة توزيع الثروة في المجتمع. يقود النظام الحالي إلى تركز الثروة لدى الأغنياء.
هذا التركز ترجمته الأرقام في موازنة العام المنقضي. وبحسب الميرغني: “بينما لا تتجاوز ضرائب الدخول والأرباح الرأسمالية 351.6 مليار جنيه. فإن الضرائب غير المباشرة ومنها الضرائب علي السلع والخدمات تقدر بنحو 469.6 مليار جنيه. منها 221.3 ضريبة قيمة مضافة يتحملها الجميع بدون تفرقة، وأخرى على الخدمات تبلغ 67 مليار جنيه”.
وتتركز حصيلة الضرائب على بعض المنتجات مثل السجائر والتبغ، إذ يحقق حصيلة متوقعة 74.6 مليار جنيه، بخلاف ضريبة القيمة المضافة. إلى جانب 15.3 مليار جنيه ضريبة على الاتصالات المحلية والخارجية. وكذلك 25.3 مليار ضريبة دمغة، إضافة إلى رسوم تنمية الموارد التي تبلغ 23.8 مليار جنيه.
ضريبة دخل الأشخاص الطبيعيين
يتابع الميرغني: “المتأمل لضرائب الدخل على الأشخاص الطبيعية يجد الخلل أكبر وأعمق حيث يسدد العمال والموظفين 80.2 مليار جنيه في موازنة 2020/2021. منهم 2.7 مليار دمغة رواتب. بينما الضرائب على دخول الأفراد من غير المعينين لا تتجاوز 47.6 مليار جنيه”.
أما حصيلة النشاط التجاري والصناعي بأكمله لا يتجاوز 42.7 مليار جنيه. بل إن المهن الحرة التي تشمل الأطباء والمحامين والمهندسين الاستشاريين والمحاسبين والفنانين ولاعبي الكرة لا يسددون سوي 4.9 مليار جنيه .
كذلك بحسب الميرغني فإن الشركات الاعتبارية تسدد 146 مليار جنيه بينما هيئة البترول تسدد 41.6 مليار جنيه. أما قناة السويس فتسدد 34.2 مليار جنيه، أي أن هيئة البترول وهيئة قناة السويس فقط يسددان 75.8 مليار جنيه. وبما يعادل 52% مما تسدده كل الشركات المسجلة وذات الشخصية الاعتبارية فأين العدالة الضريبية؟
“الرسوم” الباب الخلفي
الميرغني وصف الرسوم كساحة أخرى للجباية، وقسمها إلى نوعين “عامة” تسدد لصالح وزارة المالية. كالرسم على السيارات، والتنمية وغيره. وهناك الرسوم المحلية التي تفرض وتعدل بقرارات من المحافظين مثل رسوم المحاجر ورسوم عبور الطريق وغيرها. التي تذهب لتمويل صناديق التنمية المحلية، وهي صناديق مستقلة عن الموازنة.
كذلك، فإن المواطن محدود الدخل هو الممول الرئيسي لموازنة الدولة. بينما كبار الرأسماليين وأصحاب المشروعات والمهن الحرة فلا يسددون إلا النذر اليسير، إضافة إلى ذلك فإن أعلى شريحة في ضرائب الدخل لا تتعدى 22.5% بينما تصل في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ما بين 45% و 65% طبقًا للميرغني.
كذلك أشار إلى أن الإصلاحات الضريبية في صالح العدالة الاجتماعية لا تنبع فقط من مطالبات محلية، فرضتها لحظة ثورة 25 يناير، إنما بموجب اتفاقيات دولية وقعتها مصر، أوصت بإعادة هيكلة المنظومة بأكملها.