يتوقع العديد من خبراء الاقتصاد، أن يغير فيروس كورونا شكل سوق العمل في العالم، فبعد وصفها بأنها “أسوأ أزمة عالمية منذ الحرب العالمية الثانية”، قد تجد سوق العمل بعد كورونا مجرد شاشات حاسوب تُلبي احتياجاتك عن بعد، فيبدو أن الأزمة الراهنة ستعجل بانتهاء الاعتماد على العنصر البشري في سوق العمل، حيث زاد الطلب منذ الجائحة في عدد المتخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات.
وتسبب فيروس كورونا في تسارع بعض توجهات سوق العمل، حيث جنحت أعمال وشركات تجاه الميكنة، وهو ما يهدد ازدهار الدول النامية بسبب اعتمادها على العمالة منخفضة التكلفة، بحسب كارين فيشوك، الرئيسة التنفيذية لشركة “رانستاند نورث أميركا”.
ومن المتوقع أن تؤدي أزمة فيروس كورونا إلى إلغاء 6.7 بالمئة من إجمالي ساعات العمل في العالم في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، من بينها 5 ملايين في الدول العربية، بحسب المنظمة.
اختفاء المكاتب
الإغلاق الكلي أو الجزئي لأماكن العمل بسبب وباء كورونا انعكس سلبًا على أكثر من 81% من القوى العاملة العالمية والبالغ عددها 3.3 مليار شخص، حيث خسر الملايين أعمالهم وتوقفت دورة الإنتاج في أغلب دول العالم، واتبعت المؤسسات والشركات نظام “العمل عن بعد”، كل هذه التطورات المثيرة، دفعت المختصين إلى التفكير في مستقبل العمل برمته، وما إذا كانت أزمة كورونا ستتسبب في نهاية العمل من المكتب وتغير طبيعة الوظائف بشكل عام.
اذا أعطت “تويتر”، لموظفيها الضوء الأخضر للعمل من منازلهم إلى الأبد بعد انتهاء الجائحة، كما سمحت بعض المصارف العالمية الكبرى لموظفيها بالعمل من المنزل على غرار “مورغان ستانلي” وبنك أوف أميركا مع الحديث حول إمكانية الاعتماد على العمل عن بعد في بعض الوظائف بالمستقبلية.
وأشار استقصاء نفذته قناة “سي إن بي سي” الإخبارية الأمريكية، لتقصي رأي عدد من مديري الشركات والبنوك الكبار حول العالم، حيث خرجت النتائج جميعها تؤكد أن “العمل من المنزل” قد يكون هو الوضع الطبيعي الجديد لكثيرٍ من الموظفين والمديرين كذلك، كما أن شركات كبرى مثل “مونديليز” و”نيشن-وايد” باتت تفكر جديًا في انتقال دائم للعمل من المنزل، بما يقابله ذلك من تقليص لمساحات المكاتب.
ويقول المدير التنفيذي لبنك باركليز،”إن وضع الموظفين في مبنى المكاتب معًا قد لا يحصل أبدًا مرةً أخرى، ستكون هناك تعديلات طويلة الأمد على كيفية تفكيرنا باستراتيجية الموقع، وقد تكون فكرة وضع 7000 شخص في مبنى أمرًا من الماضي”
وفي مسح أجرته شبكة التواصل المهني “لينكد إن”، ونشرت نتائجه منصة “ستاتيستا” للبيانات لعدد من الوظائف والصناعات المختلفة حول إمكانية العمل مستقبلا من المنزل بعد انتهاء جائحة كورونا، أشارت النتائج إلى إمكانية حدوث الأمر في عدد كبير من الوظائف عبر قطاعات مختلفة، كاشفة أن الوظائف الأكثر طلبًا الان تتلخص في أعمال البرمجة وتحليل البيانات والتسوق الرقمي.
الاقتصاد غير المنظم
بينما نقلت مجلة “فاست كومباني” الأميركية، عن مسؤولين بمواقع ومؤسسات توظيف عالمية توقعاتهم في هذا الشأن؛ حيث أكدوا جميعاً أن معدلات التوظيف كانت مرتفعة بشكل هائل قبل أزمة كورونا، وأن الأزمة تسببت في زيادة معدلات البطالة بشكل كبير.
ومن جهته، قال كيران براساد، المسؤول بموقع “لينكد إن” للوظائف: “قبل تفشي كورونا، كانت أرقام البطالة عند أدنى مستوى لها على الإطلاق، وكنا نشهد سوق عمل قوية حقاً، أما الآن، فقد انخفض عدد الأشخاص الذين يدخلون إلى موقعنا للبحث عن وظائف، وكذلك عدد أصحاب العمل الذين يبحثون عن موظفين”.
والأمر لا يختلف بالنسبة للوضع الاقتصادي في مصر، حيث أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في مايو الماضي، إن معدل البطالة ارتفع إلى 9.2 بالمئة في الفترة من نهاية مارس إلى نهاية أبريل بسبب جائحة كورونا.
وأضاف الجهاز في بيان له، أن معدل البطالة بلغ 7.7 بالمئة في الربع الأول من العام الحالي، انخفاضا من ثمانية بالمئة في الأشهر الثلاثة السابقة، ومن 8.1 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة قبل عام .
وبحسب المركز المصري للدراسات الاقتصادية، فأن فئة العمالة منخفضة المهارات من ذوي الياقات الزرقاء هم أكثر من يواجهون فقدان الوظائف نتيجة تعثر الصناعات التحويلية، بينما تظهر مشكلة التشغيل للمتخصصين وذي الياقات البيضاء في صورة خفض الرواتب يصل إلى 40 – 50%.
وتوقع المركز، أن يحدث تفاقم رهيب في البطالة ومعدلاتها قد يصل إلى 20% نتيجة الأزمة، وعودة العاملين بالخارج، خاصة دول الخليج، بأعداد ضخمة.
وفي بحث نشرته منظمة العمل الدولية، في 18 مارس، وتتضمن دراسة جديدة حول آثار الوباء، أفاد بأن 1.25 مليار شخص يعملون في القطاعات التي صُنفت بأنها معرضة بشدة لخطر حدوث زيادات “قاسية ومدمرة” في تسريح العاملين وتخفيض الأجور وساعات العمل.
وتحذر الدراسة من أن مناطق أخرى، ولا سيما أفريقيا، لديها مستويات أعلى من الاقتصاد غير المنظَّم، الأمر الذي يشكل، بالترافق مع نقص الحماية الاجتماعية وارتفاع الكثافة السكانية وضعف القدرات، تحديات صحية واقتصادية شديدة للحكومات، بسحب المنظمة .
فهناك مليارا شخص في العالم يعملون في القطاع غير المنظم، معظمهم في الاقتصادات الناشئة والنامية، وهم معرضون للخطر أكثر من بقية الفئات.
سوق العمل
في يونيو الماضي، اظهر بيانات رسمية حديثة، أن 69.6% من إجمالي الأفراد في مصر تغيرت حالتهم العملية بسبب فيروس كورونا .
وأوضح الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن أكثر من نصف الأفراد المشتغلين بنحو 55.7% أصبحوا يعملون أيام عمل أقل أو ساعات عمل أقل من المعتاد لهم، و26.2% من الأفراد تعطلوا، و18.1% أصبحوا يعملون عملاً متقطعاً.
ويقول الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، بأن أزمة كورونا آثرت بشدة علي اقتصاديات العالم، لاسيما في الوضع المحلي بالنسبة لمصر، حيث تنبأ الجائحة بخطر ارتفاع معدلات البطالة مع اختلاف طبيعة سوق العمل بعد الأزمة، واستمرار العمل عن بعد لأكثر من 6 أشهر، وهو ما يعتبر إيجابي لبعض القطاعات وسلبي لقطاعات أخري، كالقطاع العقاري، علي سبيل المثال “.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى ان سوق العمل بعد ازمة كورونا سيختلف مائة وثمانون درجة قبل الأزمة، مما يسبب في فجوة وفراغ وظيفي في بعض القطاعات يستدعي الانتباه، فبحسب الأرقام والمؤشرات قد يفقد الاف المصريين عملهم حتي مع تخفيف الإجراءات الاحترازية وبداية دوران عجلة الإنتاج”.
وأضاف “الدمرداش” بأن بلدان العالم ستمر بمراحل مختلفة مع عودة النشاط الاقتصادي بشكل كامل، فحتي أكثر السيناريوهات المتفائلة تتوقع انخفاض معدلات النمو بنسب كبيرة، لافتًا إلى أن الاف العمال والموظفين الذي خسروا عملهم بسبب كورونا أو أخذوا اجازات مفتوحة سيبدأ بالبحث عن عمل جديد، وهو ما يجعلنا بحاجة لشركات التوظيف التي سيكون عليها ربط هؤلاء الأفراد بفرص العمل المتاحة”.
وبحسب منظمة العمل الدولية، فان خسائر ساعات العمل خلال الربع الثاني في الدول العربية بلغت 13.2% ما يعادل 10 مليون وظيفة بدوام كامل 40 ساعة في الأسبوع، فيما تصدرت أمريكا الشمالية والجنوبية العالم بفقدان 18.3% من ساعات العمل.
أكثر مرونة
قدمت العديد من الدراسات والمختصين منذ أزمة كورونا مقترحات للخروج من نفق الأزمة بأقل الخسائر، فوق المركز المصري للدراسات الاقتصادية بأن تحفيز الاقتصاد والتشغيل، أهم الركائز الرئيسية للتعامل مع الأزمة، وذلك من خلال تبني سياسات مالية نشطة وتكيف السياسات النقدية، مع الأوضاع الحالية، وتوجيه دعم مالي وحزم تحفيزية للقطاعات المتضررة، بما ينعكس بشكل مباشر على قدرة المُنشآت الاقتصادية على الاحتفاظ بالعاملين فيها.
ويشير الدمرداش، إلى أن طبيعة الوظائف والعمل ستتغير بعد كورونا بلا شك، وإن كان بمصر سيظهر هذا بشكل طفيف وعلي مدى سنوات، إلا أن الشركات ستقدم خيارات أكثر مرونة تناسب ظروف الموظفين الشخصية، مع زيادة معايير الصحة والسلامة المهنية والتأمين الصحي، فمعظم الشركات ستعمل علي تقوية شبكة التأمين لاجتماعي والصحي بشكل أكبر من قبل.
بينما يقول غاي رايدر، المدير العام لمنظمة العمل الدولية: “أثر القرارات التي نتخذها اليوم سيتواصل لسنوات مقبلة وحتى بعد عام 2030، ورغم أن البلدان تمر بمراحل مختلفة من الجائحة وتم عمل الكثير، فإننا بحاجة إلى مضاعفة جهودنا إذا أردنا الخروج من هذه الأزمة إلى وضع أفضل مما كنا عليه عندما بدأت”.