يبدو أن العالم قد أصابته حالة من الإحباط والملل. خاصة بعد تطور الوضع الوبائي وتجدده في متحور “أوميكرون”. ما تبعته زيادة في حدة القيود والإجراءات الاحترازية. فضلاً عن النتائج الاقتصادية التي أثرت على الكثيرين سلبًا بفعل الإغلاق. وهو ما أشعل الاحتجاجات في أغلب الدول الأوروبية، ضد قرارات الحكومات. ذلك رفضًا لما اُعتبر تعديًا على الحرية والحقوق الإنسانية في إلزام المواطنين بالتطعيم. بينما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك باتهام الحكومات بالتآمر على الشعوب واستخدامها كحقول تجارب وراثية.
ساحة حرب في بلجيكا
قبل أيام، واجهت قوات الشرطة في العاصمة البلجيكية بروكسل الاحتجاجات بإطلاق الغاز المسيل للدموع، ومدافع مياه. وذلك في محاولة لفض التظاهرات التي خرج فيها قرابة 8 آلاف مواطن، رافضين الإجراءات الحكومية الجديدة الخاصة باحتواء كورونا.
القرارات التي احتج عليها المواطنون في بروكسل طالت التطعيم نفسه، وربط إظهار بطاقة الحصول عليه بإمكانية دخول المطاعم والحانات. وهو ما اعتبره المتظاهرون انتهاكًا لحقوق الإنسان وحريته.
ورغم أن المتظاهرين حصلوا على تصريح وبدأت احتجاجاتهم سلميًا برفع لافتات تدعو للوحدة المحتمعية لنيل حرية تقرير المصير بشأن تطعيمات اللقاح، إلا أن الأمر احتد والتصادم بلغ مداه مع أفراد الشرطة، ما حول الشوارع إلى ساحة حرب.
وكانت الحكومة قبيل الاحتجاجات مباشرة أعلنت أن الأطفال عليهم ارتداء الكمامة من سن الـ 6 سنوات. مع احتمالية إعطاء عطلات مدرسية أطول خلال الفترة المقبلة. فضلاً عن إغلاق الحانات والنوادي الليلية وكذلك المطاعم في الحادية عشر مساءً. ونتيجة الاحتجاجات أرجئ هذا الأمر لبعض الوقت.
الإغلاق الذي أشعل احتجاجات النمسا
أعلنت شرطة العاصمة النمساوية فيينا أن هناك نحو 40 ألف مواطن خرجوا في احتجاجات، وألقي القبض على عدد من مثيري الشغب بينهم. ذلك بعد اقتحام الأسواق دون الالتزام بالقواعد المفروضة. وكانت بداية الدعوة للتظاهر جاءت من حزب اليمين المتطرف هناك، والمعادي لتلقي اللقاحات.
ورغم أن الإجراءات في النمسا أكثر تشددًا منذ بداية الوباء، إلا أن ارتفاع معدل الإصابات فرض مزيدًا من القيود. وكان منها إلزام البالغين بالتطعيم اعتبارًا من فبراير 2022، وعدم السماح لمن لم يتلقاه بدخول الأماكن العامة.
الإجراءات النمساوية قبل الارتفاع الأخير في معدل الإصابات كانت أصلاً مشددة، تتضمن غلق أسواق الميلاد والمطاعم ومراكز التجميل والحفلات الموسيقية. وقد وصفها البعض بأنها إجراءات تفتقد للحياة تمامًا، باستثناء المدارس. خاصة مع تطور الأمر لدرجة إدخال نحو 8.9 مليون مواطن في الحجر المنزلي.
قررت النمسا الدخول في الإغلاق مجددًا منذ منتصف نوفمبر الماضي. وهو الأمر الذي أدى إلى تفاقم حدة الاحتجاجات، التي أسقطت 5 مصابين من أفراد الشرطة نتيجة الصدام مع المواطنين المحتجين. وتم اعتقال عدد من المتظاهرين، وحرر ضدهم نحو 67 محضرًا جنائيًا، و620 مخالفة للإجراءات الاحترازية، ومنها عدم ارتداء الكمامات وأقنعة الوجه.
هولندا.. احتجاجات بالألعاب النارية
الإجراءات التي تم فرضها في هولندا، وطالت قطاع المطاعم على وجه التحديد، بقرار غلقها في الساعة الثامنة مساءً، ومنع دخول غير الملقحين للأماكن العامة، هو ما أشعل احتجاجات الهولنديين، الذين خرجوا في عدد من المدن، تنديدًا بالإجراءات الاحترازية الأخيرة.
وقعت عدة خسائر وعملت قوات الشرطة على فض الاحتجاجات، ما أسفر عن إلقاء القبض على نحو 145 مواطنًا. وقد وجهت لهم تهم كسر القواعد على مدار ثلاثة أيام من التظاهرات نهاية نوفمبر الماضي.
الاحتجاجات طالت مختلف دول العالم في وقت سابق
يمكن القول أن الاحتجاجات اجتاحت مختلف دول العالم في أوقات سابقة لنفس الأسباب المتمثلة في تشديد الإجراءات والقيود لمنع انتشار فيروس كورونا. ويمكننا ورصد مجموعة منها في سرد غير مفصل لإلقاء نظرة على حالة الرفض العامة التي اجتاحت تلك البلاد.
فقد شهدت مدينة ملبورن الاسترالية احتجاجات ضد الإجراءات الحمائية من كورونا في 22 نوفمبر الماضي. ذلك بعد فرض اللقاحات على عمال البناء. وتم إلقاء القبض على 60 فردًا بعد خروج نحو 2000 متظاهر للشوارع، وقطعهم إحدى الطرق السريعة.
واجتاحت الاحتجاجات باريس أيضًا رفضًا لإلزامية تلقي التطعيمات. كما تعطلت حركة المرور إثر ذلك. وهو الأمر الذي تطور لصدام مع أفراد الشرطة، وصل لاستخدام الأخيرة قنابل الغاز المسيل للدموع.
وفي إيطاليا، خرج عدد من التظاهرات احتجاجًا على القيود المفروضة، وصل المشاركين فيها للآلاف في بولونيا وتورينو. كما خرج العشرات في روما نفسها، إلا أن الوضع بدأ يهدأ وخمدت نيران الاحتجاجات نسبيًا.
ورغم العودة للهدوء إلا أن أعدادًا كبيرة قررت تجاهلت الإجراءات الوقائية المفروضة في البلاد، وكسرت التعليمات. خاصة فيما يرتبط بارتداء أقنعة الوجه.
وتفاقم الوضع في جزيرة جوادلوب الفرنسية. حيث دخلت النقابات العمالية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني في إضراب احتجاجًا على فرض التطعيم الإلزامي على العاملين في قطاع الصحة. وتم إطلاق النار في التظاهرات على أفراد الشرطة. وهو الأمر الذي جعل فرنسا تمدها بعدد أكبر من أفراد الأمن لضبط الوضع هناك ومنع خروجه عن السيطرة.
واحتج مواطنو كرواتيا على قرار التطعيم الإجباري للمعلمين. فخرج منهم الآلاف إلى الشوارع معلنين موقفهم من تلك الإجراءات التي وصفوها بالجبرية المرفوضة. كما خرج آلاف الإسرائيليين للاحتجاج على القيود الجديدة، ورفض حملة التطعيمات. خاصة بعد الشروع في إعطاء كبار السن جرعة ثالثة من اللقاح.
أوميكرون كلمة السر
المتظاهرون حول العالم يرون أن “كورونا” لن ينتهي. خاصة مع ظهور “أوميكرون”، الذي أعاد الجميع لنقطة الصفر مجددًا. والبعض ربطه بمؤامرة رأسمالية ترتبط بتلقي اللقاحات وإحراز مكاسب مالية على حساب الحقوق والحريات الشخصية لكل فرد.
أوميكرون بالفعل أربك أغلب الدول حول العالم، وجعل الاقتصاد العالمي على المحك، بعد التطلع إلى التعافي والخروج من دوامة القيود. لقد أعاد عدد من الدول لفرض القيود على مواطنيها ومؤسسات عملها من جديد.
وبدورها حذرت منظمة الصحة العالمية من مخاطر أوميكرون، الذي اعتبرت تأثيره أقوى من المتحورات السابقة. وقد أعلنت أنه قد يتسبب في إصابات جديدة لنصف القارة الأوروبية في شهور معدودة.
وارتفع معدل الإصابة بالمتحور الجديد في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وهولند واستراليا، وبدأت الشركات التي أنتجت اللقاحات تعلن أنها تدرس تأثير منتجاتها عليه، وراحت المخاوف تضطر الكثيرون للحصول على الجرعة الثالثة من اللقاح. ويمكن القول أن الوقت الراهن وبعد ظهور المتحور الجديد جعل العالم يمر بمرحلة يسودها التشكك والترقب الحذر.
بين الحقيقة والوهم.. شائعات روجها المحتجون في تظاهراتهم
ترجع الأسباب الرئيسية للاحتجاجات في الدول الأوروبية إلى فقد الثقة فيما تقوله الحكومات والمسؤولين، بل واعتبارهم جزء من مخطط التجارب التي تتم على الشعوب، ووصل الأمر لتحديد أوجه تقارب بين بعض الحكومات والنظام النازي.
فحزب اليمين المتطرف في النمسا وصف برنامج التطعيم الذي يتم في البلاد بأنه أقرب لتجارب الهندسة الوراثية، بل أن البعض أرجع الأمر للمؤامرة المتمثلة في إعادة تشكيل البشر.
أما في هولندا، فقد أعلن المحتجون عن مقاربة المشهد الراهن بفترة الاحتلال النازي لبلدانهم واعتبر بعضهم أن اللقاحات جزء من المؤامرة العالمية لإنهاء حياة البشر بل روجوا لكونها سامة.
وروسيا تقع في دائرة المعاناة الحقيقية فنسبة تلقي اللقاح تعد الأقل في أوروبا لأن السمة المسيطرة على المشهد هناك هو افتقار الثقة في السلطة الحاكمة، والخوف من النتائج السلبية لتلقي اللقاح.
ويرى بعض المحتجين أن إلزامية تلقي اللقاحات والشهادة الصحية ستخلق جانب من التمييز بين المواطنين وتساهم في خلق فجوة في التعاملات وهي انتهاك واضح للحرية ودرب من التدخل المتعمد والمجحف بالحقوق.
جدير بالذكر أن عدد المصابين بفيروس كورونا حول العالم يقدرون بنحو 269 مليون حالة فيما سجلت الوفيات نحو 5.29 حالة.