في بلادنا -العالم العربي والإسلامي وعموم الشرق الأوسط- كل القرون تتجاور، وكل القرون لها مقدار من الوجود، القديم كله باق على حاله يضرب بجذوره في عمق البنية الذهنية والنفسية والسلوكية لعموم الناس، من أي دين أو مذهب كانوا، ولأي عرقية أو جنسية أو قومية انتسبوا، ومازال الجديد طارئا لم يستقر، ومازال كل ما هو حديث عابرا لم يتوطن ولم يتجذر لا في الزمان ولا في المكان ولا في عمق الإنسان. وبين القديم والحديث صراع تتوالى فصوله منذ وطئت أقدام المستعمرين الأوروبيين بلادنا، ومنذ بدأت أجيال من المتعلمين تولى وجهها شطر الغرب، ومنذ أن أصبح الغرب هو النموذج المقتدى به في التحديث والتغيير .
من هذه الزاوية، وفي سياق حضاري هجين يختلط فيه الأصيل مع الدخيل، وفي سياق ثقافي لم يحسم الصراع بين الموروث والمجلوب، فإن للإخوان، ولغير الإخوان، لا أقول موقع قدم واحدة، ولكن أقول لهم موقع قدمين في القرن الـ21 مثلما كان لهم موقع قدمين في القرن الـ20، لايختلفون في ذلك مع غيرهم من تيارات السياسة والحكم والفكر والثقافة والدعوة الدينية في مصر وغيرها من بلدان الشرق الأوسط. فنحن جميعا، من حكام ومحكومين، ومن حداثيين ومحافظين، ومن علمانيين ودينيين، من مسلمين وغير مسلمين، ومن عرب ومن غير عرب، كلنا كشرق أوسطيين نعيش محنة وجودية تضرب أعصابنا وتهز أعماقنا بعنف وقسوة، هذه المحنة الوجودية تتجلى في أكثر من حقيقة :
1- أنظمة الحكم في الشرق الأوسط تختلف بين علمانية ودينية لكنها تتفق في أن كلتيهما استبدادية ديكتاتورية فاسدة، كما تختلف بين جمهورية وملكية لكنها تتفق قي أن كلتيهما استبدادية ديكتاتورية فاسدة، هذا هو القاسم المشترك الأعظم الذي يطوي الشعوب تحت بردته، ويلقي عليها حجابا حاجزا، يحول بينها وبين أن تتجاوز الماضي، كما يحول بينها وبين أن تعبر إلى المستقبل.
2- هذه الأنظمة -دون استثناء- ضعيفة في مواجهة الخارج، ومستأسدة ومستئذبة في مواجهة شعوبها. ثم هي قديمة حتى التعفن في كل شيء، إلا ما يختص بآليات القمع والتحكم والسيطرة، فهي تتابع كل جديد، وتستجلب ما هو أحدث نوعا، وأشد ردعا، وأفعل قمعا .
3 – هذا العالم العربي والإسلامي الدولة فيه كجهاز للحكم وتدبير شؤون الناس هي جهاز متأزم وغير ذي كفاءة بالمعنى الفني والتقني لكفاءة الحكم، هذه الدولة المتأزمة تصدر أزمتها لشعبها فهو لا يقل عنها تأزما وتدني كفاءة واعتلال مزاج وفساد طبع، في مثل هذه البلاد، وفي مثل هذه المعادلات، فإن الحاكم والمحكوم يختلفون على كل شيء، إلا على شيء واحد فقط هو: التنافس في إنتاج التخلف وإعادة تدويره والمراوحة في المكان والدوران الذي لا ينتهي حول الذات المأزومة عند الحاكم والمقهورة عند المحكوم .
4 – في مثل هذه المستنقعات كان طبيعيا أن تنقلب ثورات الربيع العربي إلى نقيض ما رفعت من شعارات وانطوت عليه صدور جماهيرها من أحلام، فتحولت المنطقة إلى بؤر متجاورة من الانقسامات ثم الاستقطابات ثم الحروب الأهلية حيث تنتكس المنطقة وشعوبها في واحة من أسوأ حقب الجاهلية الأولى .
5 – في مثل هذا المناخ المنتكس ليس الإخوان أسوأ من غيرهم بل هم وغيرهم شركاء في المشهد بما في ذلك الأنظمة التي تستأصلهم والأنظمة التي تساندهم، هؤلاء كلهم جميعا لهم مواقع أقدام في القرن الـ21 بمجرد اثبات الاسم في دفاتر الحضور، وذلك بغض النظر عن اللياقة الذهنية والفكرية والنفسية والسياسية .
6 – يزيد من فرص الإخوان وغير الإخوان بما في ذلك أنظمة الديكتاتورية والفساد أن القرن الـ21 ذاته قرن ضال وتائه ولا يحمل بشرى سعيدة للإنسانية باستثناء التكنولوجيا وما فيها من فرص ومخاطر، فباستثناء التكنولوجيا لا توجد لهذا القرن فضيلة ولا تنتسب إليه قيمة: الحلم الأمريكي مأزوم، وأوروبا أشبه ما تكون بمجلس قروي، والقوى الآسيوية حائرة بين ما تستعيره من قيم أوروبية وما تستبطنه من تناقضات داخلية ربما تمزقها من داخلها قبل أن تستكمل رحلة الصعود إلى القمة وهنا أقصد الصين على وجه التحديد .
****
تستطيع حركة مثل طالبان في أفغانستان، أن تحمل السلاح الحديث، وتقاتل قوة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، لمدة عشرين عاما، وتنتصر عليها، وتخرجها من أفغانستان على نحو مهين ومذل، فعلت ذلك طالبان من 2001م إلى 2021م، وتفوقت بتلك الروح النضالية على كافة قوى الحداثة الأفغانية التي خضعت لوصاية الأمريكان وقبلت أن تحكم تحت هيمنهم، لكن إنكار القدر من الحداثة الذي أنجزه الشعب الأفغاني سوف يكون الخطأ الذي ترتكبه حركة طالبان وسوف يترتب عليه فشل مؤكد في إدارة الدولة .
ويستطيع فقهاء إيران تفجير صورة شعبية بالمفهوم الحديث 1979م، ويعيدوا صياغة الدولة الإيرانية على نحو جديد، منكرين القدر من الحداثة الذي حققه الشعب الإيراني، وكل ما أنجزوه لا يزيد على كونهم قوة صخب في الإقليم، دون أدنى تحسن يطرأ على حياة المواطن ليقول أن أوضاعه في ظل الدولة الإسلامية أفضل مما كانت عليه في ظل النظام العلماني قبل الثورة .
ويستطيع الإسلاميون في السودان -بالتحالف مع الجيش- القفز على السلطة تحت مسمى “ثورة الإنقاذ” 1989م ويستمرون في حكمها ثلاثين عاما تنتهي بثورة شعبية في 2019م، وفيما بين التاريخين أعادوا صياغة الدولة السودانية بما يتيح لهم وضع تحكم وسيطرة وغلبة مطمئنة مستقرة، وكانت الحصيلة أن تركوا السودان وشعب السودان في أوضاع أسوأ بكثير مما كانت عليه الدولة السودانية والمواطن السوداني قبل وصولهم إلى الحكم .
كذلك يستطيع الإخوان في تونس ومصر القفز على ثورات الربيع العربي، والاندفاع لالتقاط السلطة المرمية على نواصي الميادين، عبر وسائل حديثة هي الانتخابات، لكنها في كلتا الحالتين تكشف عن تناقض عنيف بين: القدرة الفائقة على كسب الانتخابات، ثم العجز الفائق ليس فقط عن إدارة الدولة لكن -بالدرجة الأولى- عن إدارة عمل سياسي دون استبطان روح العزلة والتميز والاستعلاء، هذه الروح التي تقود أصحابها إلى صدام حتمي سواء مع نظرائهم من التيارات الاسلامية الأخرى الذين يشاركونهم المرجعية الواحدة أو نظرائهم من التيارات السياسية ذوات المرجعيات المختلفة .
خلاصة ما سبق: الروح الحركية الإسلامية المعاصرة تستطيع أن تكسب حربا ضد قوة عظمى مثلما فعلت طالبان، وتستطيع تفجير ثورة شعبية حديثة مثلما فعل فقهاء إيران، وتستطيع اختراق الجيش وصناعة انقلاب إسلامي تطلق عليه مسمى الثورة مثلما فعل الإسلاميون في السودان، وتستطيع استخدام الأدوات الديمقراطية مثل الأنتخابات والتصويت الجماهيري مثلما فعل الإسلاميون في تونس ومصر، لكن كل تلك المحاولات تأتي عند الدولة وينتظرها حاجز وحجاب، فتقشل في إدارة دولة الواقع، وهي تظن أنها تقيم دول الخيال أو ما تسميه دولة الإسلام، وجوهر الفشل يرجع لاتفاق كل هؤلاء على إنكار القدر من الحداثة الذي تحقق للشعوب، فتكون الشعوب في واد وحكامها من الإسلاميين في واد آخر، وهذا أول طريق الفشل. يتوهم الإسلاميون أن الناس ينتخبونهم لأسباب دينية، والحقيقة أن الناس ينتخبونهم على أمل تحقيق منافع دنيوية تترك أثرا طيبا على تحسين مستويات معيشتهم اليومية من سكن وعلاج وغذاء وكساء وتعليم وانتقال إلى آخر مرافق الحياة الطيبة. هنا يجد الإسلاميون أنفسهم غرباء مرتين، غربة مزدوجة الأطراف: غربة عن الناس الذين يظنون أنهم يمثلونهم، ثم غربة عن أجهزة الدولة التي يديرونها ويحكمونها.
***
ينجح الإخوان وغيرهم من الإسلاميين عندما يتحركون في نطاق المجتمع ورغم هذا فإنهم ينظرون إلى المجتمع نظرة استعلاء، ويفشل الإخوان وغيرهم من الإسلاميين عندما يصلون إلى الدولة ورغم هذا فإنهم ينظرون إليها بإجلال وإكبار كما لو كانت هي خلاصة الإيمان وتجسيد الإسلام وعصارة العقيدة. وهذا الاستعلاء على المجتمع الذي يمنحهم النجاح، وهذا التصاغر أمام الدولة التي تسحقهم وهم فيها مثلما تسحقهم وهم خارجها، هذا الاستعلاء مع ذاك التصاغر كلاهما مركب نفسي معقد، يرسم الملامح الباطنة للنفسية الحركية الإسلامية المعاصرة .
ويترتب على تلك المعادلة أنه عندما تسحقهم الدولة لا يبكي عليهم المجتمع، لا يبكي عليهم كتنظيم ولا كجماعة ولا كقوة سياسية، لكن الذي يحدث هو أحد أمرين: إما تعاطف مع قضيتهم من باب حقوق الإنسان ومن باب ما يتعرضون له تنكيل وإقصاء واستئصال، وإما أن يكون على شكل تعاطف شخصي مع من كان منهم قريبا أو زميلا أو صديقا أو جارا إلى آخره .
ولا يسأل الإخوان أنفسهم السؤالين الهامين: لماذا تنقلب علينا الدولة بعد التحالف معها؟ ولماذا يكتفي المجتمع بالفرجة علينا والدولة تقمعنا؟
الجواب يحتاج شيئا من الشرح والتفصيل :
– رقم واحد: المجتمع -الذي ينظر له الإخوان وغير الإخوان على أنه فرط في دينه ويريدون خلق مجتمع مسلم بديلا عنه أو منه ويزعمون أن دورهم هو تربيته على الإسلام الحق – هذا المجتمع بفطرته السليمة ورصيده الإيماني هو من يسمح لهم بالتمدد والانتشار، وهو من يصدقهم، وهو من يمنحهم أبناءه من الطلاب والشباب والمهنيين وأصحاب الحرف والعمال والفلاحين إلى آخره ليكونوا لحمة التنظيم وعصبه ووقوده .
– رقم اثنين: عندما تنتقل عضوية الفرد من مجتمعه الطبيعي إلى عضوية التنظيم، تجري عملية متدرجة تفصم روابطه السابقة وتفصله عنها وتفارق بينه وبينها قلبيا وعقليا، ثم تحصر ارتباطه واتصاله وانتماءه والتزامه بعضوية التنظيم، وتنتهي هذه العملية بأن تكون حياة الفرد بكاملها مرهونة رهنا كاملا بعضوية التنظيم وما تمليه هذه العضوية من واجبات والتزامات لا تترك للعضو متسعا لالتزامات ولا واجبات أخرى إلا ما كان عائليا بصورة مباشرة .
– رقم ثلاثة: من ناحية المضمون، لا فرق بين الفرد قبل عضوية الجماعة أو بعدها، هو هو بكل مزاياه وعيوبه الجوهرية، والفرق يكون في ثلاثة أمور: أنه لم يعد مسلما طبيعيا وإنما صار من الإخوان المسلمين، ثم مقدار ما يتعرض له ويستوعبه من تجييش عاطفي ونفخ انفعالي وتكثيف ديني، ثم مقادير هائلة من الأنشطة الحركية اليومية التي تستوعب طاقته وتستنزف مجهوده .
– رقم أربعة: العاطفة الدينة عند المصريين، مع عموميات الخطاب الإخواني حول استعادة أمجاد الإسلام، مع الفراغ السياسي مع التحديث المشوه، مع التهميش والإقصاء الذي تعانيه الكثير من الطبقة الوسطى ومن دونها، هذه العوامل الأربعة، كانت ومازالت، قطب الرحى ومدار الحركة، في بناء رصيد اجتماعي ضخم للإخوان، هذا الرصيد الاجتماعي كان ومايزال جسر الإخوان إلى الميدان السياسي .
– رقم خمسة: في السياسة تحالف الإخوان مع كل أنظمة الحكم التي عاصروها، سواء في مصر أو في غير مصر، وباستثناء الكويت والأردن والمغرب، انقلبت التحالفات إلى عداوات، صحيح الإخوان لديهم قدر عال من المكيافيللية السياسية، وصحيح أنهم ممكن أن يفعلوا الشيء ونقيضه مثلهم مثل أي محترف سياسة لا دين فيها ولا أخلاق لها ولا مبادئ، لكن الصحيح قبل ذلك وبعد ذلك: أن الإخوان لهم أجندتهم الخاصة ولهم مشروعهم الخاص ويستحيل أن يقبلوا العمل على أجندة غيرهم، هم فقط يقبلون التحالفات ويقدمون التنازلات ويعرضون الخدمات بصفة مؤقتة وفي مقابل تحقيق مكاسب تساعدهم في سعيهم الدؤوب لتحقيق أجندتهم الخاصة وتطبيق مشروعهم الخاص .
– رقم ستة: الدولة، ولاشيء غير الدولة، هي جوهر مشروع الإخوان، الذي يقدمون له التضحيات منذ ما يقرب من مائة عام، ومازالوا يقدمونها حتى كتابة هذه السطور، يقدمونها في السجون والمحاكم والمنافي وكل وجوه المحنة، يقدمونها في رضا لا شكوى فيه ولا ندم ولا تأفف ولا تراجع، وهذا القدر من النضالية العالية يكاد ينفرد به الإخوان .
***
عندي رواية لا أستطيع توثيقها، لكن أستطيع تصديقها، تقول الرواية إن إعلان فوز الإخوان برئاسة مصر جاء تفاديا لما صدر عنهم من تهديدات باللجوء إلى العنف إذا لم يُعلن فوز مرشحهم، وبالحرف قال من اتخذ ذلك القرار تبريرا له: لا نريد دماء. لا أستطيع توثيقها لأن الثلاثة الذين بلغتني عنهم قد ماتوا، ولا يليق أن أنسب رواية شفهية لمن قد مات، لكن أستطيع تصديقها لأني كنت -بالصفة الصحفية- مراقبا من الداخل والخارج لانتخابات الرئاسة 2012م.
خاض الإخوان انتخابات الرئاسة واثقين من طرفين ولديهم شكوك في طرف ثالث:
1- كانوا واثقين من موافقة الأمريكان وذلك يعني بالبداهة موافقة إسرائيل، وكانت المهمة الأساسية للسفيرة الأمريكية السيدة آن باترسون هي : الإشراف على ضمان ترشح الإخوان، ثم الإشراف على ضمان نقل السلطة إليهم، ثم ضمان استمرارهم، وقد رأيتها -بنفسي- في مكان ما، ولما سألت عن سبب حضورها، قيل لي: جاءت تعبر عن قلقها من تأخر إعلان نتائج المرحلة الثانية من التصويت في الانتخابات، ثم قطعت مهمتها، ورفضت استكمال مدتها، وغادرت البلاد، بعد فشل مهمتها في مرحلتها النهائية، فقد ضمنت ترشح الإخوان، ثم ضمنت انتقال السلطة إليهم، لكنها فشلت في ضمان استمرارهم فيها .
2 – كانوا واثقين من التصويت الشعبي، فقد حصدوا الأغلبية في انتخابات مجلس الشعب، ثم في انتخابات مجلس الشورى، وكانوا على يقين أن من يدير الفترة الانتقالية لا يقبل ترشح اللواء عمر سليمان، كما أنه لا يقبل فوز الفريق أحمد شفيق، وبهذا انفتح الطريق أمامهم إلى الرئاسة دون كثير عقبات .
3 – ما لم يكونوا واثقين فيه وعلى شك منه هو من أدار الفترة الانتقالية ذاته وهو من مهد لهم الطريق ومن أزاح من أمامهم عمر سليمان ومن بعده شفيق، كانوا على شك لكنهم ظنوا أنهم قادرون عليه، وبالفعل أكلوه في غضون شهرين، وانفتحت شهيتهم لما هو أكبر: ليأكلوا الدولة ذاتها، في هذه اللحظة كانوا على موعد مع الخطر، كانوا على موعد مع المعركة التي طال تأجيلها، فإما أن تأكل الجماعةُ الدولة، وإما أن تأكل الدولةُ الجماعة، وتكهربت الأجواء قريبا من عشرة أشهر من إجمالي اثني عشر شهرا هي كل فترتهم في الرئاسة .
عند هذه اللحظة، انكشفت الحقيقة التي ظلت مستورة من ثمانين عاما، وتعجل الصدام الذي تم تفاديه مرارا بالاحتواء والاستيعاب والإقصاء الجزئي والتهميش المحدود، تحتم الصدام، وتطور الصدام إلى استئصال كامل، كانت المعركة بين خيارين لا ثالث لهما: إما أن تلتهم الجماعة الدولة، وإما أن تلتهم الدولة الجماعة .
التهمت الدولة الجماعة وكسرت ضلوعها وعظامها، وأعادت تأسيس حقبة ديكتاتورية جديدة، تدفع البلد ويدفع الشعب تكاليفها .
***
هذه ليست المرة الأولى لمحاولة استئصال الإخوان من الجذور والمنابت والمنابع، فقد سبقتها محاولة 1949م، ثم محاولة 1954م، لكن تتميز الأخيرة بأنها الأعنف والأكثر إصرارا على إتمام المهمة كما لو كانت رسالة تاريخية، ثم إنها تتزامن وتترافق مع محاولات مماثلة في دولتين خليجيتين كانتا من مراتع ومرابع ومراعي الإخوان وهما دولة الإمارات والمملكة السعودية، بينما بقيت قطر وتركيا تقدم من الدعم المادي والأدبي ما يحفظ الإخوان من السقوط في قعر العدم .
خلاصة مايقرب من مائة عام من التاريخ: الدولة والجماعة لا يلتقيان إلا مؤقتا، إذا رضيت الدولة استوعبت الجماعة، وإذا غضبت كسرت ضلوع الجماعة، وتطوي الدولة صدرها على غضب، وتطوي الجماعة صدرها على تمكين هو والسراب سواء .